غزوة أحد

0

 

غزوة أحد: نصر أفسده حب الدنيا ودرس خالد

غزوة أحد: نصر أفسده حب الدنيا ودرس خالد

وقعت غزوة أحد يوم السبت السابع من شهر شوال في العام الثالث للهجرة، أي بعد عام واحد من غزوة بدر الكبرى. سميت بهذا الاسم نسبة إلى جبل أحد الذي وقعت على سفحه الجنوبي، على مشارف المدينة المنورة. لم تكن المعركة مجرد صراع على الأرض، بل كانت محاولة من قريش للانتقام من هزيمتها المذلة في بدر، واستعادة مكانتها السياسية والاقتصادية بين القبائل العربية، والقضاء على دعوة الإسلام الناشئة التي هددت مصالحهم.

---

حشود المعركة وقياداتها

قاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم جيش المسلمين الذي كان يتألف من ألف مقاتل، لكن المنافق عبد الله بن أبي بن سلول انسحب بثلث الجيش قبل بداية المعركة، ليصبح عدد المسلمين 700 مقاتل فقط. أما جيش قريش، فقد بلغ عدده ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة أبي سفيان بن حرب، مع أسلحة وعتاد يفوق عدد المسلمين بكثير.

---

أحداث المعركة وخطتها

كانت خطة النبي صلى الله عليه وسلم العسكرية محكمة، حيث وضع جبل أحد خلف ظهور المسلمين، ووضع خمسين من أمهر الرماة على هضبة عالية، وأمرهم قائدهم عبد الله بن جبير بعدم مغادرة أماكنهم مهما حدث. انطلق القتال بشجاعة منقطعة النظير من المسلمين، حيث حققوا انتصارًا ساحقًا في الجولة الأولى، ودب الذعر في صفوف المشركين ونسائهم، حتى أنهم بدأوا في الفرار.

لكن هذا النصر تحول إلى هزيمة مؤلمة بسبب عصيان الرماة. فبينما كان المسلمون يجمعون الغنائم، خالف معظم الرماة أمر قائدهم ونزلوا من مواقعهم رغبةً في الغنائم، ولم يبقَ سوى قائدهم وتسعة من أصحابه. انتهز خالد بن الوليد، الذي كان على رأس خيالة المشركين، هذه الفرصة الذهبية، فالتف بجيشه من خلف الجبل، وأطبق على المسلمين من الخلف. عاد المشركون للقتال بقوة، وانتشرت الفوضى في صفوف المسلمين، واختلطت الأوضاع، حتى شاع خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم.

---

استشهاد الصحابة ومواقف الفداء

كانت هذه المرحلة الأقسى في المعركة، حيث استشهد 70 من الصحابة الكرام، منهم حمزة بن عبد المطلب، الذي مثّل المشركون بجسده، ومصعب بن عمير، وحنظلة بن أبي عامر "غسيل الملائكة"، وسعد بن الربيع، وغيرهم. في هذا الوقت العصيب، تجلت أروع صور الفداء والتضحية، حيث أحاط الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم يدافعون عنه بأجسادهم. أصيب النبي إصابات بالغة، ودخلت حلقتان من المغفر في وجهه، وكسرت رباعيته، وشُجَّ جبينه، لكن الصحابة كانوا يستميتون في الدفاع عنه، منهم أبو دجانة وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص ونسيبة بنت كعب.

---

دروس وعبر من الغزوة

لم تكن هزيمة المسلمين في أحد هزيمة عسكرية كاملة، فقد فشل المشركون في القضاء على الإسلام، كما أنهم لم يتمكنوا من احتلال معسكر المسلمين أو المدينة المنورة. لكنها كانت درسًا قاسيًا للمسلمين، لخصه القرآن الكريم في عدة آيات. أبرز هذه الدروس:

  • طاعة القائد: أكدت المعركة أن عصيان أمر القائد يؤدي إلى عواقب وخيمة، وأن النصر لا يأتي بالعدد والعتاد، بل بالطاعة والثبات.
  • تمييز المؤمنين: كانت غزوة أحد اختبارًا حقيقيًا ميزت به الله المؤمنين الصادقين من المنافقين الذين انكشف أمرهم.
  • الحكمة الإلهية: بيّنت الغزوة أن الله قد يبتلي عباده بالهزيمة ليعلمهم الصبر، ويطهر نفوسهم، ويرفع درجاتهم في الجنة، كما حدث مع الشهداء الذين نالوا أعلى المنازل.

لذلك، تُعد غزوة أحد درسًا خالدًا في تاريخ الأمة الإسلامية، يذكرها دائمًا بأن النصر الحقيقي هو الثبات على المبدأ والإيمان، وأن حب الدنيا قد يفسد أعظم الانتصارات.

إرسال تعليق

0 تعليقات
* يرجى عدم إرسال رسائل غير مرغوب فيها هنا.
إرسال تعليق (0)

#buttons=( أقبل ! ) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربتك. لمعرفة المزيد
Accept !