غزوة بني سليم: سباق مع الزمن وإحباط للمؤامرات
بعد الانتصار العظيم في غزوة بدر، لم يغفل النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن حركات الأعداء ومؤامراتهم. ففي شهر شوال من العام الثاني للهجرة، وقعت غزوة بني سليم في الكدر، التي كانت بمثابة ضربة استباقية حاسمة لأعداء الإسلام، حيث قادها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه.
---أسباب الغزوة وأحداثها
كانت قبيلة بني سليم، المتحالفة مع قريش، تحشد قواتها في منطقة تُعرف بـ "الكدر"، وهي مكان مياه يقع على الطريق التجارية الشرقية بين مكة والشام، بهدف غزو المدينة المنورة انتقامًا لهزيمة قريش في بدر. وصلت هذه الأنباء إلى المدينة، فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم أهمية التحرك الفوري لمنع هذا الهجوم المحتمل. استخلف النبي على المدينة الصحابي سباع بن عرفطة، وقاد بنفسه مائتي مقاتل لمباغتة العدو.
عندما وصلت قوات المسلمين إلى ديار بني سليم، فوجئ العدو بقدومهم، وفرّ من المكان تاركًا خلفه 500 بعير. استولى المسلمون على الإبل، وتركها النبي في وادي الكدر غنيمة للمسلمين. كما أسر المسلمون غلامًا يُدعى يسار، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقه وأعتقه، تجسيدًا لرحمة الإسلام. أقام النبي صلى الله عليه وسلم في ديارهم ثلاثة أيام، ثم عاد إلى المدينة بالغنائم.
---نتائج الغزوة والدروس المستفادة
على الرغم من عدم وقوع قتال، حققت غزوة بني سليم نتائج هامة ودروسًا عظيمة، أبرزها:
- الحذر والتيقظ: أظهرت الغزوة مدى يقظة النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على حماية الدولة الإسلامية من أي تهديد محتمل، وذلك باستباق الأحداث وإحباط المؤامرات في مهدها.
- القيادة الحكيمة: تجسدت في هذه الغزوة شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم كقائد عسكري لا يكتفي بالجانب السياسي والدعوي، بل يشارك بنفسه في حماية أمته.
- رحمة الأسرى: رغم أن الأسرى في الحرب كانوا عرضة للمقايضة أو العقوبة، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أظهر رحمة عظيمة بإعتاق الغلام يسار، وهو ما يؤكد على القيم السامية للإسلام.
وبذلك، كانت غزوة بني سليم نموذجًا للقيادة الحكيمة التي تعتمد على الوقاية خير من العلاج، وتحقق النصر دون إراقة دماء.
