تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله وتوقيره هو شعبة عظيمة من شعب الإيمان، ومن حقه صلى الله عليه وسلم على أمته أن يُجَّل ويُعظَّم ويُوَقر. قال الله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (الفتح: 9).
قال ابن كثير:
"قال ابن عباس وغير واحد: يعظموه، {وَتُوَقِّرُوهُ} من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام".
وقال السعدي:
"{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه أي: تعظموه وتُجِّلوه، وتقوموا بحقوقه".
وتوقيره صلى الله عليه وسلم هو سبيل الفلاح في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف:157).
***
مكانة أمهات المؤمنين وتوقيرهن
من صور ومظاهر توقير النبي صلى الله عليه وسلم: توقيره في زوجاته رضوان الله عليهن أجمعين. فيجب على المسلمين أن يحفظوا لهن حقهن في الحُرْمة والتوقير، والإكرام والإعظام، فهن اللاتي ارتضاهن الله عز وجل أن يَكُنَّ زوجات لنبيه صلى الله عليه وسلم وأمهات للمؤمنين، قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (الأحزاب:6).
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية:
"أي: في الحرمة والاحترام، والإكرام والتوقير والإعظام".
والهدف من إطلاق هذه الكنية عليهن ـ أمهات المؤمنين ـ تقرير فضلهن، وحرمة الزواج بهن بعد مفارقته صلى الله عليه وسلم لهن. قال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} (الأحزاب: 53).
***
فضل اختيار الله والرسول
وكيف لا تكون لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم هذه المنزلة وهن اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة عندما نزلت آيتا التخيير. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآَخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 28-29).
وبعد اختيارهن، كرمهن الله وكافأهن، ثم ميزهن عن جميع النساء فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} (الأحزاب: 32).
قال ابن تيمية:
"ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصا خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره... والصِّدِّيقة بنت الصديق (عائشة) رضي الله عنهما، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)".
***
فضائل أمهات المؤمنين
-
الحديث عنهن بوصف الزوجية:
ذكر الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الزوجية في غير ما موضع من القرآن الكريم، ومن ذلك أول آية من آيات التخيير: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ} (الأحزاب: 28). -
اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة:
قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآَخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب:29).وفي تفسير الطبري:
"وبدأ بعائشة رضي الله عنها، فلما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة، رُئِي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتابعن كلهن على ذلك، واخترن الله ورسوله والدار الآخرة". -
مضاعفة الأجر:
وهذا منطوق قوله تعالى: {نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (الأحزاب:31). قال السعدي:"لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ذكر مضاعفة أجرهن، ومضاعفة وزرهن وإثمهن لو جرى منهن، ليزداد حذرهن، وشكرهن الله تعالى".
-
البشارة بالجنة:
وهذا منطوق قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} (الأحزاب:31). -
تفضيلهن على عموم النساء:
وذلك من قول الله تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} (الأحزاب: 32). -
الاصطفاء الإلهي:
قال الله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (الأحزاب: 34).قال ابن كثير:
"أي: ذا لطف بكن، إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة وهي السُنة، خبيراً بِكُنَّ إذ اختاركن لرسوله أزواجا".
***
محبة أمهات المؤمنين جزء من الدين
هذه بعض فضائل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تدل على اصطفاء الله لهن على سائر النساء. ولقد كان سلفنا الصالح يضعون أمهات المؤمنين في مكانة عالية، ولا يسمحون لأي مبغض أن يطعن فيهن أو في واحدة منهن، لأنهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وأمهات للمؤمنين.
محبتُهن وتوقيرُهن والأدبُ معهن هو دينٌ يُدانُ به، وهو صورة من صور حبنا وتوقيرنا لنبينا صلى الله عليه وسلم. قال أبو بكر الباقلاني:
"ويجب أن يُعْلم أن خير الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم... وكذلك نعترف بفضل أزواجه رضي الله عنهن، وأنهن أمهات المؤمنين... ونُبَدِّع، ونُضَلِّل، ونُفَسِّق من طعن فيهن أو في واحدة منهن".
وقال ابن قدامة:
"ومن السُّنة الترضِّي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّهات المؤمنين المطهَّرات المبرَّآت من كلِّ سوء... فمَن قذفَها بما برأها الله منه فقد كفَر بالله العظيم".