الماء نعمة من نعم الله العظيمة التي وهبها لعباده. أنزله من السماء، فسالت أودية بقدرها، وأودعه الأرض وجعل منه ينابيع وأنهارًا، وجعله شرابًا سائغًا، وجعل أمر الحياة عليه قائمًا، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (الأنبياء:30). وإذا كان نبع الماء من الأرض آية، ونبعه من الحجر الأصم آية أعظم، فما ظنك إذا كان نبعه من بين الأصابع؟ فذلك معجزة وكرامة.
معجزة نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم كانت من المعجزات التي أكرم الله بها نبيه، وقد تكرر حدوثها عدة مرات وفي مناسبات مختلفة، رآها الصحابة الكرام ونقلوها إلينا نقلًا واضحًا وبيّنًا.
شواهد من معجزة نبع الماء
1. يوم الحديبية
روى الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
(عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة - إناء من جلد -، فتوضأ، فجهش - أسرع - الناس نحوه، فقال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا، وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
2. بالزوراء في المدينة
مما نقله الصحابي الجليل أنس رضي الله عنه، قال:
(أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناءٍ وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم، قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة، أو زهاء ثلاثمائة) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
3. في سفر مع الصحابة
يحدثنا عن ذلك الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:
(كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفًا، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فقل الماء، فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بإناءٍ فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حي على الطهور المبارك، والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل) رواه مسلم.
دلالات المعجزة
في هذه المعجزة النبوية إشارة واضحة وبيّنة، ودلالة عظيمة شاهدة على تأييد الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم. إذ كان لهذه المعجزة وأمثالها من المعجزات النبوية الأثر البالغ في زيادة الإيمان وقوة التعلق بالله من قبل الصحابة الكرام رضي الله عنهم، خاصة أنهم كانوا في ظروف صعبة، نتيجة صراعهم مع أهل الباطل من المشركين واليهود والمنافقين. فكانت مثل هذه الحوادث عونًا لهم وزادًا إيمانيًا قويًا.
إضافة إلى ما تتركه مثل هذه المعجزات من أثرٍ في نفوس الكافرين والمعاندين، وتلفت الانتباه إلى أن الله هو القوي القادر، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.