الشمائل النبوية: ثوبان ومعجزة العنزة "ثمر"
ثوبان بن بجدد، صحابي جليل خدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان قريبًا منه، وقد روى مواقف كثيرة شاهد فيها دلائل النبوة ومعجزات الرسول الكريم. ومن أبرز هذه المواقف، قصته مع العنزة "ثمر".
يروي ثوبان رضي الله عنه أن ضيفًا بدويًا نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فجلس الرسول يسأله عن حال الناس في الإسلام وفرحهم بالصلاة. فرح الرسول بحديثه حتى رأى ثوبان وجهه مشرقًا. وعندما حان وقت الطعام، لم يجد النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا يكرم به ضيفه في بيته، ولا في بيوت زوجاته كلهن.
في هذا الموقف، ظهرت معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث مرت عنزة قد حُلبَتْ، فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم باسمها "ثمر"، فأقبلت إليه، فأخذها ومسح ضرعها وحلبها باسم الله، ففاض ضرعها باللبن. حلب منها حتى ملأ الإناء، فشرب الضيف حتى ارتوى، ثم حلب منه لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حلب منه لنفسه، فقال ثوبان: "فشربتُ شرابًا أحلى من العسلِ وأطيبَ من المسكِ".
فوائد ومواقف من القصة
هذا الموقف العظيم يحمل في طياته دروسًا وفوائد عديدة، منها:
- اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأحوال المسلمين:
ظهر اهتمامه صلى الله عليه وسلم البالغ بانتشار الإسلام والتزام الناس بتعاليمه، خاصةً الصلاة التي هي عماد الدين. وهذا يؤكد مسؤولية الحاكم والراعي عن رعيته، كما قال: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته) رواه البخاري.
- زهد النبي صلى الله عليه وسلم:
تبدو بوضوح حقيقة زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا، فبيوته كانت تخلو من الطعام حتى إنه لم يجد ما يكرم به ضيفه. وقد عاش صلى الله عليه وسلم زاهدًا في ملذات الدنيا، مفضلاً أن يكون "عبدًا رسولًا" على أن يكون "ملكًا رسولًا".
- دليل نبوي ومعجزة حسية:
تبرز المعجزة في فيضان ضرع العنزة باللبن بعد أن حُلبَتْ، ببركة لمسة النبي صلى الله عليه وسلم وذكره اسم الله. وهذا يماثل ما حدث مع شاة أم معبد، وناقة جابر، حيث تحولت الحيوانات الضعيفة ببركة لمسه صلى الله عليه وسلم إلى حيوانات قوية مباركة.
- جود النبي صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وهذا الموقف دليل على جوده وحرصه على إكرام ضيفه رغم قلة ذات اليد. وقد كانت هذه الصفة من الخصال التي استدلت بها خديجة رضي الله عنها على أن الله لن يخزيه أبدًا.
- حسن خلق الضيف:
ظهر حسن خلق الضيف البدوي، الذي خالف المعهود عن أهل البادية من الغلظة، فقد قال كلمات ترفع الحرج عن النبي صلى الله عليه وسلم وتهوّن عليه الأمر، مما يدل على قناعته وزهده.
إن قصة ثوبان مع العنزة "ثمر" هي مجرد صورة من صور دلائل نبوته ومعجزاته الكثيرة، التي لم تقتصر على الجمادات، بل شملت الحيوانات والبشر، وكانت جميعها شواهد حسية على صدق رسالته وعلو قدره ومنزلته.