الشمائل النبوية: حب الجمادات والحيوانات للنبي ﷺ
أحب الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًا فاق كل حب. لكن العجيب حقًا أن يُحبه ويشتاق إليه الجماد والشجر والحيوان. قال ابن الجوزي: "فحنَّ إليه الجذع، وكلّمه الذئب، وسبَّح في كفه الحصى، وتزلزل له الجبل، كلٌ كنَّى عن شوقه بلسانه".
هذا الحب الذي أظهره الجماد والحيوان يمثل جانبًا مهمًا من معجزات النبي ودلائل نبوته. فقد نقل إلينا الصحابة صورًا كثيرة من هذا الحب، ومنها:
جمل يشتكي للنبي ﷺ
عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم... فدخل يومًا حائطًا من حيطان الأنصار، فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه،... فمسح رسول الله لى الله عليه وسلم سرا ته وذِفراه فسكن، فقال: من صاحب الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: أما تتقى الله في هذه البهيمة التي ملككها الله، إنه شكا إلىَّ أنك تجيعه وتدئبه) رواه أبو داود وصححه الألباني.
هذا الجمل، الذي لا عقل له، عرف النبي صلى الله عليه وسلم ولجأ إليه ليشكو حاله، فكانت هذه معجزة عظيمة تثبت نبوته صلى الله عليه وسلم.
شجر يسلم وجذع يبكي شوقًا
الشجر والجمادات أيضًا أظهرت حبها للنبي صلى الله عليه وسلم:
- الشجرة التي استأذنت ربها:
عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلا، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت شجرة استأذنت تشق الأرض حتى غشيته، ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ ذكرت له ذلك، فقال: هي شجرة استأذنت ربها عز وجل أن تسلم عليّ فأذن لها) رواه أحمد. - حنين الجذع:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب الناس... فلما قعد نبي الله صلى الله عليه وسلم على ذلك المنبر خار الجذع كخوار الثور حتى ارتج المسجد، حزنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم) رواه الترمذي وصححه الألباني.
حجر وجبل يحبان ويهتزان فرحًا
الأعجب من كل ذلك هو حب الجمادات للنبي صلى الله عليه وسلم، التي لا حياة فيها ولا عقل:
- الحجر الذي سلم:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر، إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله) رواه الترمذي وصححه الألباني. - الجبل الذي اهتز:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (صعد النّبي صلى الله عليه وسلم إلى أُحُد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله قال: اثبت أحد، فما عليك إلّا نبيّ، أو صدّيق، أو شهيدان) رواه البخاري.
قال ابن حجر: "الحب من الجانبين على حقيقته وظاهره". وقال ابن عثيمين: "ارتجَّ بهم الجبل وهذا من آيات الله، ليس هو ارتجاج نقمة وخسف، لكنه ارتجاج فرح".
لقد أنطق حب النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، وحرك الشجر، وأبكى الجذع، وأسكب دمع البعير. إنها آيات ومعجزات حدثت له صلى الله عليه وسلم ورآها أصحابه، وتؤكد صدق نبوته. وإذا كانت هذه المخلوقات التي لا تعقل تحبه وتشتاق إليه، فأين نحن من حبه واتباعه؟
كما قال الشاعر:
يا معشر المسلمين الخشبة تحنُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً إليه، أفليس الرجال الذين يرجون لقاءه أحق أن يشتاقوا إليه؟!