الإعجاز النبوي: الإخبار عن رجل لم يره
علم الغيب مختص بالله تعالى وحده، فهو القائل: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل:65). ومع ذلك، فقد أظهر الله من غيبه ما شاء على رسله، ليكون ذلك دليلًا على نبوتهم وصدقهم، كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن:26-27).
ومن هذه الأمور الغيبية التي أطلع الله عليها نبيه صلى الله عليه وسلم، إخباره عن رجل لم يره ولم يقابله في حياته، وهو التابعي الجليل أويس القرني رحمه الله.
من هو أويس القرني؟
أويس بن عامر القرني، هو من كبار التابعين وزهّادهم، وصفه العلماء بأنه سيد التابعين في زمانه. وعلى الرغم من أنه أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يتمكن من لقائه بسبب برّه الشديد بوالدته وخدمته لها في اليمن.
وقد نال أويس هذه المنزلة العظيمة والخيرية، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة عن صفاته وأحواله، وأوصى به خيرًا.
قصة أويس القرني في صحيح مسلم
روى مسلم في صحيحه عن أسير بن جابر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسأل عن أويس القرني كلما قدمت جماعة من أهل اليمن. وفي أحد الأيام، جاء أويس إلى المدينة، فسأله عمر عن اسمه، ونسبه، وأمه، وهل كان به برص، وهل برأ منه؟ فأكد أويس كل ما سأله عنه عمر.
عندها، قال له عمر:
(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر... كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل).
فطلب عمر من أويس أن يستغفر له، ففعل. ثم أراد عمر أن يكرمه أو يكتب له، لكن أويس فضل البقاء في غمار الناس، وذهب في طريقه، ولم يعرف الناس أمره إلا بعد ذلك.
دلالات من القصة
- دليل على صدق النبوة:
هذه القصة دليل قاطع على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر عن رجل لم يره، وعن نسبه، ومرضه، وبرّه بأمه، وطلب من أصحابه أن يذهبوا إليه ليطلبوا منه الدعاء، وهذا كله تحقق كما أخبر تمامًا. - فضل بر الوالدين:
ببرّه الشديد بوالدته، نال أويس تلك الخيرية العظيمة، وأثبت أن بر الوالدين سبب لقبول الدعاء. - منزلة أويس القرني:
أكد النبي صلى الله عليه وسلم أن أويس هو خير التابعين، وهذا يدل على علو منزلته عند الله، حتى وإن لم يشتهر بين الناس. - جواز طلب الدعاء من الصالحين:
القصة دليل على جواز طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح، حتى وإن كان الطالب أفضل من المدعو له، كما فعل عمر بن الخطاب مع أويس القرني.
ما وقع وحدث وفق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر غيبي لم يشهده، كان بوحي من الله تعالى، للدلالة على صدقه وثبوت نبوته، وعلو قدره ومنزلته صلى الله عليه وسلم.