جمال الإعجاز: حُب الجمادات للنبي صلى الله عليه وسلم
هل سمع أحدٌ أن حجرًا أحب إنسانًا وسلم عليه؟ أو أن حيوانًا اشتكى إليه؟ أو أن شجرًا أطاعه وحنَّ إليه؟ هذه هي بعض الآيات الكريمة والمعجزات العظيمة التي أكرم الله عز وجل بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، لتشهد بصدقه وعلو منزلته.
سبحان من أنطق له الجماد، فسلم عليه الحجر، وانقاد لأمره الشجر، وحنَّ له الجذع، وشكا إليه الجمل، وسبح الحصى بين يديه. لقد كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم، منذ ولادته، مليئة بالدلائل والمعجزات التي تشير إلى نبوته وعناية الله به؛ لأنه سيكون هادي البشرية وخاتم الأنبياء.
الحجر والشجر: شهود النبوة
منذ بداية النبوة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى ويسمع أمورًا خارقة للعادة، ومن ذلك سلام الحجر والشجر عليه.
- سلام الحجر قبل النبوة:
قال ابن إسحاق: "حدثني عبد الملك بن عبيد الله... أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده الله بكرامته، وابتدأه بالنبوة، كان إذا خرج لحاجته أبعد عن البيوت... فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله!" - شهادة جابر بن سمرة:
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إني لأعرف حجرًا بمكة، كان يسلم عليّ قبل أن أُبعَث، إني لأعرفه الآن) رواه مسلم.
قال الإمام النووي: "فيه معجزة له صلى الله عليه وسلم، وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات، وهو موافق لقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (الإسراء:44)."
مشاعر الجمادات: الحب والشوق
لم تقف دلائل النبوة مع الجماد عند حدود النطق والسلام، بل امتدت لتشمل مشاعر الحب والشوق.
- جبل أحد:
قال النبي صلى الله عليه وسلم عن جبل أحد:(أُحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه) رواه البخاري.
وفي قصة أخرى، صعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان جبل أحد، فرجف الجبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(اثبت أُحُد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) رواه البخاري.
وقد تحقق ذلك فاستُشهد عمر وعثمان رضي الله عنهما.
- حنين الجذع:
لم يكن هذا الأمر مجرد مجاز لغوي، بل كان واقعًا حيًّا. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع نخلة، فلما صُنع له منبر، تركه. فحنَّ الجذع وبكى شوقًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
معجزات لا تُحصى
لقد رافق بعثة النبي صلى الله عليه وسلم العديد من الآيات والمعجزات، منها ما هو حسي وثابت، ومنها ما هو أعظم من ذلك كله، وهو القرآن الكريم.
- عدد المعجزات:
ذكر الإمام البيهقي أن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم بلغت ألفًا.
وقال ابن تيمية: "معجزاته تزيد على ألف معجزة".
وذكر الإمام النووي أنها تزيد على ألف ومائتين.
هذه المعجزات الحسية، مثل سلام الحجر وتكلم الحيوان، ليست مجرد قصص، بل هي آيات ودلائل شاهدها الصحابة واقعًا أمام أعينهم، فكان لها الأثر البالغ في معرفتهم لعلو قدر نبيهم وعظيم حبهم له، وزيادة إيمانهم.
وفي الختام، يظل صوت النبي صلى الله عليه وسلم يتردد عبر الأزمان مؤكدًا صدقه، كما قال:
(أنا النبي لا كذب) رواه البخاري.
فهو الذي قال فيه الشاعر:
مَحَاسِنُ أَصْنَافِ النَّبِيِّينَ جَمَّةُ
وَمَا قَصَبَاتُ السَّبْقِ إِلا لأَحْمَد