طلحة بن عبيد الله: الشهيد الذي يمشي على الأرض
طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، المعروف بـ"طلحة الخير" و"طلحة الفياض"، هو أحد السابقين إلى الإسلام وأحد العشرة المبشرين بالجنة. حظي بمنزلة رفيعة عند النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال عنه أبو بكر الصديق في يوم أحد: "هذا اليوم كله لفلان، يعني: طلحة".
ولم تقتصر منزلته على جهاده وبذله، بل شرفه الله بكرامة عظيمة، حيث بشرّه النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة وهو لا يزال حيًا، وهذه معجزة نبوية عظيمة.
نبوءة ومعجزة
من أعظم الأحاديث التي تبين هذه المنزلة ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن سرَّهُ أن ينظرَ إلى شهيدٍ يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحةَ بن عُبَيْدِ اللَّه) رواه الترمذي وصححه الألباني.
وفي موقف آخر، سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم عن المقصود بقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ}. فلمّا رأى النبي صلى الله عليه وسلم طلحة خارجًا من المسجد بثياب خضر، قال: (هذا مِمَّن قضى نحبه)، أي ممن وفى بعهده مع الله واستحق الشهادة.
لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي يبشره فيها النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث حِراء الشهير، عندما ارتجف الجبل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اسكن حراء! فما عليك إلا نبيٌّ أو صدِّيقٌ أو شهيدٌ). وكان على الجبل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، وقد تحققت هذه النبوءة باستشهادهم جميعًا، باستثناء النبي وأبي بكر.
تحقق النبوءة
تُعد هذه الأحاديث من أعلام النبوة، فكيف يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر عن أمر غيبي لا يعلمه إلا الله، ويقع كما أخبر تمامًا؟
قال النووي: "وفيه معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم: منها إخباره أنّ هؤلاء شهداء".
وقد تحققت هذه النبوءة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقرابة 25 عامًا، عندما استشهد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في موقعة الجمل، فكان بذلك "الشهيد الذي يمشي على الأرض".
دلالة المعجزة
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بوفاة بعض أصحابه وأعدائه ليس من باب التخمين، بل هو وحي من الله، كما قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 3-4).
هذه المعجزات الحسية التي شهدها الصحابة الكرام بأعينهم، تزيد المسلم يقينًا بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله، وأن كل ما جاء به هو حق. فإذا كانت هذه المخلوقات لا تملك إرادتها فما بالك بالإنسان الذي وهبه الله العقل والإرادة؟