الإعجاز النبوي: بشارة عثمان بن عفان بالشهادة
السيرة النبوية مليئة بالمواقف التي تظهر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها إخباره عن أمور غيبية مستقبلية وقعت كما تنبأ بها تمامًا. ومن أعظم هذه المواقف تبشيره لعثمان بن عفان رضي الله عنه بالشهادة، وإخباره بكيفية وفاته.
ففي يوم من الأيام، كان النبي صلى الله عليه وسلم على جبل حراء ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم. فتحرك الجبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اسكن حراء! فما عليك إلا نبيٌّ، أو صدِّيقٌ، أو شهيدٌ) رواه مسلم.
وقد تحقق ما أخبر به، فكل من كانوا على الجبل من الصحابة، باستثناء النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، ماتوا شهداء. عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم قُتلوا ظلمًا، وبذلك صدق النبي صلى الله عليه وسلم في خبره.
معجزة التبشير بالجنة على بلوى
في موقف آخر، روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أنه كان يحرُس النبي صلى الله عليه وسلم عند بئر أريس، فجاء أبو بكر وعمر وعثمان تباعًا. كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر كل واحد منهم بالجنة. لكن عندما جاء عثمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه) رواه البخاري.
كانت هذه النبوءة إخبارًا عن أمر غيبي قبل وقوعه، حيث أُخبر عثمان بالبلوى التي ستُصيبه. وقد صدّق عثمان رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في خبره، وحمد الله وقال: (الله المُستَعان)، وهذا يدل على تسليمه لأمر الله ورضاه بقدره.
البلوى التي أصابت عثمان وتحقق النبوءة
البلوى التي أصابت عثمان رضي الله عنه هي الفتنة التي أوقد نارها عبد الله بن سبأ اليهودي، وتسببت في حصار عثمان في بيته وقتله وهو يقرأ القرآن، رغم أنه أمر أصحابه بعدم القتال حقنًا للدماء. ولو سأل سائل لماذا لم يتنازل عن الخلافة؟ فالجواب هو أنه صلى الله عليه وسلم أوصاه بوصية خاصة وقال له: (إن الله مقمصك قميصاً، فإن أرداك المنافقون على خلعه فلا تخلعه) رواه الترمذي.
وهكذا، قُتل عثمان رضي الله عنه شهيدًا في سنة 35 هجرية، بعد حوالي 24 عامًا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وقعت البلوى كما أخبر، وتحققت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم.
كما قال الشاعر حسان بن ثابت:
نبيٌ يرى ما لا يرى الناسُ حولَه
ويتلو كتابَ الله في كل مشهدفإِنْ قال في يومٍ مقالةَ غائبٍ
فتصديقُها في ضحوة اليومِ أو غد
هذه المعجزات التي أيد الله بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، تُثبت أنه رسول من عند الله، لا ينطق عن الهوى، وأن علمه بالغيب هو بوحي إلهي، كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:4).