"إن كان قال فقد صدق": منهج الصحابة في طاعة النبي ﷺ
لم تكن طاعة الصحابة للنبي محمد ﷺ مجرد امتثال سطحي، بل كانت منهجًا عميقًا قائمًا على التصديق المطلق والتسليم الكامل. لقد آمنوا بأن كل ما يقوله أو يأمر به هو وحي من الله، كما قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. هذه العقيدة الراسخة هي التي جعلت استجابتهم لأوامره فورية وبلا تردد، كما عبر أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعبارته الشهيرة في حادثة الإسراء والمعراج: "إن كان قال فقد صدق".
صور من الاستجابة الفورية
لقد كانت حياة الصحابة مليئة بالمواقف التي تجسد سرعة استجابتهم لأمر النبي ﷺ ونهيه:
- • لا تسأل أحدًا شيئًا: عندما بايع النبي ﷺ مجموعة من الصحابة على ألا يسألوا الناس شيئًا، التزموا بذلك التزامًا عجيبًا. حتى أن أحدهم كان يسقط سوطه وهو على دابته، فلا يطلب من أحد أن يناوله إياه، بل كان ينزل بنفسه ليأخذه.
- • "فما زالت طعمتي بعد": علم النبي ﷺ عمر بن أبي سلمة آداب الأكل، فقال له: "يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك". كانت وصية قصيرة، لكنها أثرت في عمر حتى قال: "فما زالت طعمتي بعد"، أي أنه لم يخالف هذه الوصية أبدًا.
- • "لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا": كان أبو مسعود البدري رضي الله عنه يضرب غلامه، فسمع النبي ﷺ يقول له: "اعلم أبا مسعود، أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام". فألقى أبو مسعود السوط من يده، وعاهد نفسه قائلاً: "لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا".
- • الاستجابة حتى في التفاصيل الصغيرة: عندما دخل النبي ﷺ المسجد يوم الجمعة وقال: "اجلسوا"، سمع عبد الله بن مسعود وهو خارج المسجد، فجلس مكانه فورًا عند الباب امتثالاً لأمره. وفي غزوة خيبر، قال النبي ﷺ لعلي بن أبي طالب: "امشِ ولا تَلتفِت حتى يَفتح الله عليك"، فمشى عليّ ثم وقف وسأل دون أن يلتفت، حرصًا منه على الالتزام الحرفي بالنهي.
- • "لا آخذه أبدًا": عندما رأى النبي ﷺ خاتمًا من ذهب في يد رجل، نزعه وطرحه على الأرض، وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده". بعد أن ذهب النبي ﷺ، قيل للرجل: "خذ خاتمك انتفع به"، فأجاب الرجل بحسم: "لا والله لا آخذه أبدًا، وقد طرحه رسول الله ﷺ".
شرط كمال الإيمان
إن كمال الإيمان يستلزم التسليم الكامل لأمر الله ورسوله، دون اعتراض أو حرج. قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (الأحزاب: 36).
هذا التسليم هو رأس الأدب مع النبي ﷺ، وبه وحده يهتدي المسلم ويفوز في الدنيا والآخرة.
هل ندرك اليوم أن طاعتنا للنبي ﷺ هي السبيل الوحيد للنجاة، أم أننا نختار ما يناسب أهواءنا ونؤجل ما يصعب علينا؟