رحمة النبي ﷺ بأمته: شفاعته العظمى يوم القيامة
أرسل الله تعالى نبيه محمدًا ﷺ رحمة للعالمين، فكان شديد الحرص على أمته، رؤوفًا رحيمًا بها. وقد تجلّت هذه الرحمة في مواقف كثيرة في الدنيا، لكن أعظم صورها ستكون في الآخرة، عندما يقف النبي ﷺ ليشفع لأمته شفاعة لا مثيل لها.
المقام المحمود والشفاعة العظمى
يوم القيامة، وبعد أن يطول الوقوف بالحساب، ويبلغ الكرب بالناس مبلغه، يذهب الناس إلى الأنبياء يطلبون شفاعتهم عند ربهم ليُفصل في أمرهم. فيذهبون إلى آدم، ثم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، لكن كل نبي يقول: "لستُ لها"، حتى يصلوا إلى نبينا محمد ﷺ.
هنا، يَقِفُ النبي ﷺ في "المقام المحمود" الذي وعده الله به في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}. في هذا المقام، يخرُّ النبي ﷺ ساجدًا بين يدي ربه، فيلهمه الله محامدَ لا يعلمها الآن، ثم يقال له: "يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسَلْ تُعْطَهْ، واشفع تُشَفَّعْ".
الشفاعات المتتالية لأمته
لا يكتفي النبي ﷺ بالشفاعة الأولى التي تفصل الحساب، بل تتوالى شفاعاته لأمته:
- • الشفاعة الأولى: يشفع النبي ﷺ لمن كان في قلبه مثقال حبة من شعير من إيمان ليخرج من النار.
- • الشفاعة الثانية: يشفع لمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.
- • الشفاعة الثالثة: يشفع لمن كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان.
- • الشفاعة الرابعة (وروايتها في صحيح البخاري ومسلم): يشفع النبي ﷺ فيمن قال "لا إله إلا الله" صادقًا من قلبه، فيقول الله تعالى: "وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريتي، لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله".
إن شفاعة النبي ﷺ هي من أعظم خصائصه التي اختصه الله بها دون سائر الأنبياء، وهي نابعة من رحمته وحرصه على خلاص أمته.
دعوة مؤجلة ليوم القيامة
لقد اختار النبي ﷺ أن يؤجل دعوته المستجابة التي أعطاها الله لكل نبي، لتكون شفاعة لأمته يوم القيامة، فقال: "لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً".
هذا الموقف النبيل يجسد قمة الرحمة والحرص، فبينما تعجّل الأنبياء دعواتهم في الدنيا، ادّخرها النبي ﷺ لأمته في أشد يوم وأحلك موقف، وهو يوم الحساب، ليُخرجهم من النار.