طاعة النبي ﷺ وتسليم المؤمنين لحكمه
تُعد طاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أساسيات الإيمان، فالله تعالى أمرنا بطاعته في مواضع عديدة من القرآن الكريم، وجعل طاعته من طاعته سبحانه، فقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء: 80). كما أكد القرآن على أن الأخذ بما جاء به النبي ﷺ واجتناب ما نهى عنه هو من صميم الإيمان، فقال: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7).
إن التسليم لأمر النبي ﷺ والانقياد لحكمه هو من أهم مظاهر الأدب معه، فالمؤمن الحقيقي لا يعارض حكم النبي ﷺ برأي أو هوى، بل يسلم تسليمًا كاملاً.
حادثة الزبير والأنصاري
إن من أبرز المواقف التي تؤكد وجوب التسليم لحكم النبي ﷺ، هي قصة خصومة الزبير بن العوام مع رجل من الأنصار حول سقي النخل.
- • بداية النزاع: كان النزاع بينهما على مسيل ماء، فقال الأنصاري للزبير: "سَرِّحِ الماءَ يَمُرُّ"، لكن الزبير أبى، فاحتكم الاثنان إلى النبي ﷺ.
- • حكم النبي الأول: أراد النبي ﷺ أن يصلح بينهما بالحسنى، فقال للزبير: "اسقِ يا زُبَيْر، ثم أرسِل الماء إلى جارك"، وكان هذا الأمر نوعًا من طلب المسامحة من الزبير، لأن حقه كان في أن يسقي أولاً.
- • رفض الأنصاري: غضب الأنصاري من حكم النبي ﷺ، وظن أن حكمه كان تحيزًا للزبير لأنه ابن عمته، فقال كلامًا يدل على اعتراضه: "يا رسول الله أَن كان ابن عمتك؟".
- • حكم النبي الثاني: عندما رأى النبي ﷺ هذا الاعتراض، حكم بحكم صريح ونهائي، فقال للزبير: "اسق ثم احبس الماء حتى يرجعَ إلى الْجَدْرِ"، أي استوفِ حقك كاملاً دون تسامح.
- • نزول الآية: قال الزبير رضي الله عنه: "والله إني لأحسِبُ هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}" (النساء: 65).
الدروس المستفادة من الآية والقصة
توضح هذه القصة معاني عميقة تتعلق بالإيمان الحق:
- وجوب تحكيم الرسول ﷺ: أقسم الله بنفسه أن الإيمان لا يكتمل إلا بتحكيم النبي ﷺ في كل خلاف ونزاع، سواء في حياته أو بعد مماته من خلال سنته.
- التسليم القلبي: لا يكفي التحكيم الظاهري، بل يجب أن يكون التسليم من القلب، فلا يشعر المؤمن بضيق أو حرج تجاه حكم النبي ﷺ.
- كمال التسليم: قوله تعالى: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} يؤكد أن التسليم يجب أن يكون تامًا وكاملاً، دون أي تردد أو اعتراض.
إن طاعة النبي ﷺ ليست أمرًا اختياريا، بل هي شرط أساسي لقبول الإيمان، فبها نهتدي ونسعد في الدنيا والآخرة.