بلاغة النبي ﷺ وفصاحته: إعجاز وجمال
لقد اصطفى الله عز وجل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأعطاه من الفضائل والخصائص ما لم يُعطَ أحدًا غيره. ومن هذه الخصائص العظيمة: فصاحة لسانه وبلاغة منطقه، وهي صفة شهد بها القريب والبعيد.
وقد أوتي النبي ﷺ جوامع الكلم، أي الكلام القليل ذي المعنى الكثير. فقال عن نفسه: (فُضِّلْتُ على الأنبياء بست: أُعْطِيُت جوامع الكلم، ونُصِرْتُ بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجُعِلَت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأُرْسِلْتُ إلى الخلق كافة، وخُتِم بي النبيون) رواه مسلم.
هدي النبي ﷺ في كلامه
لم تكن فصاحة النبي ﷺ مجرد قدرة كلامية، بل كانت جزءًا من هديه المتكامل. كان كلامه:
- • واضحًا ومُفصلاً: لم يكن يسرد الكلام بسرعة، بل كان يتحدث بكلام بيّن وفصل، يستطيع السامع أن يحفظه ويعقله. قالت عائشة رضي الله عنها: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسردُ كسردِكم هذا، ولكنَّه كان يتكلَّمُ بكلام بيِّنٍ فصلٍ، يحفظه من جلس إليه) رواه الترمذي.
- • مُكررًا للحاجة: كان يعيد الكلمة ثلاث مرات إذا اقتضى الأمر ذلك، ليتأكد من فهم السامع، خاصة إذا كان المعنى صعبًا أو جديدًا.
- • جامعًا للمعاني: كانت كلماته قليلة لكنها تحمل معانٍ عميقة، وهذا هو الإيجاز الذي يُعد من أسمى مراتب البلاغة.
- • مصحوبًا بالابتسامة: كان يبتسم في حديثه، مما يضفي على كلامه ودًا وقبولًا في قلوب السامعين.
شهادات الأعداء قبل الأصدقاء
حتى أعداء النبي ﷺ شهدوا ببيانه وفصاحته. فقد كان كلامه يأسر القلوب ويؤثر في النفوس، ويصل إلى العقول والقلوب في آن واحد.
- • القاضي عياض: وصف فصاحته بأنها "سلاسل طبع، وإيجاز مقطع، وفصاحة قول، وصحة معانٍ، أوتي جوامع الكلم وخُصَّ ببدائع الحِكَمِ وعلم ألسنة العرب".
- • ابن القيم: أكد أن كلامه كان "أفصح خَلْق الله، وأعذبهم كلامًا، وأسرعهم أداء، وأحلاهم منطقًا".
الإعجاز في كلامه
إن فصاحة النبي ﷺ ليست مجرد صفة شخصية، بل هي إعجاز إلهي. فالله عز وجل اختاره ليكون مبلغًا لكلامه، فزوده بأفصح الألسنة، وأوضح البيان، ليُسهّل على الناس فهم الرسالة وحفظها. كلامه كله حكمة ورحمة وهدى، ويشمل الكثير من العلوم والأحكام في عبارات قليلة.
إن هذه الفصاحة التي أعطاها الله لنبينا دليل على صدق نبوته، وعلامة على كمال رسالته.