محبة النبي ﷺ: واجب وشرف
نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم، وخاتم النبيين، وأفضلهم. لقد خصه الله بخصائص عظيمة، مثل المقام المحمود، وشفاعته لأمته، وكونه أول من يدخل الجنة. ومن فضل الله علينا أن جعلنا من أتباعه، مما يفرض علينا واجبات عظيمة تجاهه، أهمها محبة النبي ﷺ، وتقديمها على محبة النفس والولد والناس أجمعين.
لقد قرن الله عز وجل بين محبته ومحبة رسوله، وحذر من يفضلون محبة أي شيء دونهما، فقال: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (التوبة: 24).
علامات المحبة الصادقة
لقد أوضح النبي ﷺ أن الإيمان لا يكتمل إلا إذا كانت محبته أشد من أي محبة أخرى، فقال: (لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) رواه مسلم.
ويُظهر موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه صدق هذه المحبة. فعندما قال للنبي: "والله لأنتَ أحبّ إليّ من كل شيء إلا من نفسي"، رد عليه النبي ﷺ: "لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك". فأدرك عمر الحق، وقال: "فإنك الآن والله لأنتَ أحب إليَّ من نفسي". فقال النبي ﷺ: "الآن يا عمر". وهذا يدل على أن محبة النبي ﷺ يجب أن تكون نابعة من القلب، وتغلب كل محبة أخرى.
ومن علامات محبته ﷺ أيضًا:
- • الأدب معه وتوقيره: قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (الفتح: 9).
- • اتباعه والاقتداء به: هذا هو الدليل العملي على المحبة، فمن أحب شخصًا اقتدى به. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
أبشر أيها المحب: أنت مع من أحببت
من أعظم الفوائد التي يجنيها المسلم من محبة النبي ﷺ هو أن يكون معه في الآخرة. فقد جاء رجل إلى النبي ﷺ وسأله عن الساعة، فقال له النبي: (ما أعددتَ لها؟). فرد الرجل: "ما أعددتُ لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله". فبشره النبي ﷺ قائلاً: (أنت مع من أحببتَ).
وقد قال أنس رضي الله عنه: "ما فرحنا بعد الإسلام بشيء فرحنا بهذا الحديث"، وذلك لشدة حبهم للنبي ﷺ، ورجائهم أن يجمعهم الله به.
محبة النبي ﷺ تابعة لمحبة الله
إن محبة النبي ﷺ ليست محبة مجردة، بل هي محبة لله عز وجل. فكما قال ابن تيمية: "الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يُحَب لأجل الله، ويُطاع لأجل الله، ويُتَّبع لأجل الله".
فمحبتنا له هي علامة على محبتنا لخالقه الذي أرسله رحمة للعالمين، ودليل على امتثالنا لأوامر الله. لقد جمع النبي ﷺ كمال الظاهر والباطن، وأحسن إلى أمته بهدايتها إلى الصراط المستقيم، وإخراجها من الظلمات إلى النور.
لذلك، يجب أن تكون محبته ﷺ محبة صادقة، يترجمها اتباعنا لسنته، واقتداؤنا بأخلاقه، والتزامنا بأوامره ونواهيه، حتى نكون من الذين يحبهم الله ورسوله، ويكون الفرد منا مع من أحب.