حق النبي ﷺ: التصديق المطلق
أعطى الله تعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم منزلة رفيعة لم يبلغها أحد من قبله ولا من بعده. فقد اصطفاه على البشر، وفضّله على الأنبياء، وأرسله رحمة للعالمين.
إن هذه المكانة العظيمة تفرض علينا حقوقًا تجاهه، منها: الإيمان الصادق به، ومحبته أكثر من النفس والأهل، وطاعته، واتباع سنته. ومن أهم هذه الحقوق: التصديق المطلق بكل ما أخبرنا به.
لقد أكد الله تعالى أن كلام النبي ﷺ ليس من هوى نفسه، بل هو وحي من الله، فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 3-4). وقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم هذا الحق، فكانوا يصدقونه في كل ما يقول، حتى في الأمور التي تفوق التصور البشري.
الصحابة والمواقف الدالة على التصديق
- 1. معجزة الإسراء والمعراج:
عندما أخبر النبي ﷺ أهل مكة برحلته العظيمة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عروجه إلى السماوات السبع في جزء من الليل، كان موقف الصحابة مثالًا للتصديق التام. بينما ارتد بعض من كان حديث عهد بالإسلام، وتمادى الكفار في إنكارهم، كان الصحابة ثابتين على إيمانهم، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه. - 2. كلام البقرة والذئب:
روى النبي ﷺ لأصحابه قصصًا عن بقرة وذئب يتكلمان، فتعجب الناس. فقال النبي ﷺ: "فإني أومن بهذا، أنا وأبو بكر وعمر، وما هما ثم".
لقد شهد النبي ﷺ على أن أبا بكر وعمر سيصدقان الخبر، حتى وإن لم يكونا حاضرين. وهذا يدل على إيمانهما المطلق الذي لا يتقيد بالواقع المشهود، ولا يُحَكِّم العقل في أمور الغيب. - 3. يقين أبي هريرة في خبر الشيطان:
عندما أمسك أبو هريرة رضي الله عنه بالشيطان الذي كان يسرق من زكاة رمضان، أخبره النبي ﷺ في كل ليلة بأن هذا السارق سيعود. ورغم أن السارق كان يعد بعدم العودة، إلا أن أبا هريرة كان يتيقن من عودته، لأنه صدّق كلام النبي ﷺ.
بين التصديق وتحكيم العقل
إن تصديقنا المطلق للنبي صلى الله عليه وسلم هو دليل على محبتنا ويقيننا في رسالته. وكما قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
وفينا رسول الله يتلو كتابَه
إذا انشق معروف من الصبح ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
به موقنات أن ما قال واقع
