الوصال في الصوم: خاصية من خصائص النبي ﷺ
الوصال في الصوم هو متابعة الصوم دون إفطار ليلًا، أي صيام يومين أو أكثر على التوالي. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن هذا الفعل، ولكنه كان يمارسه بنفسه.
ولما أراد بعض الصحابة رضوان الله عليهم الاقتداء به، نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: (لستُ كأحد منكم، إني أُطْعَم وأُسْقَى، أو إني أبيت أُطْعَم وأُسْقَى) رواه البخاري. وفي رواية أخرى: (إيَّاكُم والوِصال، قالوا: فإنَّك تواصِل يا رسول الله! قال: إنَّكم لستُمْ في ذلك مثلي، إنّي أبِيتُ يطعِمُني ربِّي ويَسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما تُطيقون) رواه مسلم.
هذا النهي لم يكن عن عجز أو ضعف، بل كان رحمة وشفقة من النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه. وقد بيّن لهم بوضوح أنهم ليسوا مثله في قدرته على ذلك.
معنى "إني أُطْعَم وأُسْقَى"
اختلف العلماء في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أُطْعَم وأُسْقَى).
- • التفسير الأول: وهو قول الجمهور، أن المعنى مجازي، أي أن الله تعالى يمنحه القوة التي تغنيه عن الطعام والشراب، فيشعر وكأنه أكل وشرب. وفي هذا التفسير، يظل النبي صلى الله عليه وسلم صائمًا بالمعنى الحقيقي، لكن لا يشعر بالجوع أو العطش.
- • التفسير الثاني: أن المعنى حقيقي، أي أن الله تعالى يطعمه ويسقيه من طعام الجنة. لكن هذا الرأي ضعيف، لأن الأكل والشرب حقيقةً يُبطل الصيام، وبالتالي لا يكون وصالًا.
والصحيح الأرجح هو التفسير الأول، حيث أن هذا التفسير يتماشى مع فكرة الوصال كعبادة تتطلب ترك الطعام والشراب، ويؤكد على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُمنح قدرة خاصة ليست لغيره من البشر.
الرحمة النبوية في النهي عن الوصال
لم يكن طلب الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم السماح لهم بالوصال اعتراضًا، بل كان نابعًا من حرصهم الشديد على الاقتداء به في كل شيء، حتى في الأمور الشاقة. وقد أرادوا أن يبلغوا منزلة أعلى في العبادة.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك رحمةً بهم، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم) رواه البخاري.
إن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال هو مظهر من مظاهر شفقته وحرصه على أمته، فقد قال الله تعالى عنه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 128).
إن الوصال في الصوم من الأمور التي اختص الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا تجوز متابعته فيها، وذلك لأنها تفوق طاقة البشر العاديين.