خصائص النبي ﷺ: لماذا حُرِّمت الصدقة عليه وعلى آله؟
اختص الله سبحانه نبينا صلى الله عليه وسلم بخصائص ومقامات في الدنيا والآخرة لا يشاركه فيها أحد. فمن خصائصه في الآخرة أنه صاحب الشفاعة والوسيلة والفضيلة، وهو أول من تنشق عنه الأرض وأول من يدخل الجنة. ومن خصائصه في الدنيا عموم رسالته، وإيتاؤه جوامع الكلم، وكونه خاتم الأنبياء. قال صلى الله عليه وسلم: (فُضِلتُ على الأنبياء بست: أُعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) رواه مسلم.
ومما اختص به صلى الله عليه وسلم أحكام لا تتعداه إلى أمته، كحرمة أخذ الصدقة عليه وعلى آله.
النبي ﷺ لا يأكل الصدقة
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أُتيَ بطعام، يسأل عنه: (أهديّة أم صدقة؟). فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: (كلوا) ولم يأكل، وإن قيل: هدية، أكل معهم.
وقد بيّن صلى الله عليه وسلم سبب ذلك بقوله: (إنَّ هذه الصّدقة، إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تَحِلُّ لِمُحمَّدٍ ولا لآلِ محمَّد) رواه أبو داود. وقد سميت الصدقة "أوساخ الناس" لأنها تطهير لأموالهم ونفوسهم، كما قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (التوبة: 103).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على هذا الحكم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أخذ الحسن بن علي تمرةً منْ تمرِ الصدقة فجعلها في فمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كَخٍ كَخٍ (كلمة يزجر بها الصبيان) ارمِ بها، أما علمتَ أنا لا نأكل الصدقة).
وهذه الحرمة تشمل صدقة الفرض والتطوع، كما أجمع على ذلك العلماء. وأما دخول آل البيت في هذا الحكم، فكان تشريفًا لهم لانتسابهم إليه صلى الله عليه وسلم.
الحكمة من تحريم الصدقة على النبي وآله
ذكر أهل العلم عدة حكم لتحريم الصدقة على النبي وآله، منها:
- • شرف النبوة: حُرّمت الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله حفظًا لمكانته من أن يرتفع عليه من هو أدنى منه بصدقة أو زكاة.
- • سد باب الطعن: لم يحل الله لنبيه ولآله الصدقات، حتى لا يكون ذلك مطعنًا للمشركين، فيقولوا إنه دعاهم ليأخذ منهم المال.
- • الفرق بين الصدقة والهدية: الزكاة تُخرج لتطهير مال الغني، وقد يدفعها المسلم بغرض أداء الواجب، أما الهدية فهي تعبير عن الود والمحبة، وتخرج عن طيب نفس.
وقد اختلف أهل العلم في حكم الأنبياء السابقين، هل يشاركون النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحكم أم لا؟ فذهب الحسن البصري إلى أنهم يشاركونه، بينما ذهب سفيان بن عيينة إلى أن هذا الحكم خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم.
الفرق بين الهدية والصدقة في حياة النبي ﷺ
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، وكان يأمر أصحابه بأكلها. فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة) رواه أبو داود.
ومثال ذلك ما حدث مع بريرة رضي الله عنها، فعندما أُهدي لها لحم على أنه صدقة، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فلما أخبرته عائشة رضي الله عنها أنه صدقة على بريرة، قال: (هو عليها صدقة ولنا هدية) رواه البخاري.
هذا يدل على أن الهدية فيها تآلف القلوب، وليست فيها منة كمنة الصدقة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويثيب عليها بأفضل منها.
هل يُتَّبَع النبي ﷺ في حرمة الصدقة؟
لا يُتَّبع النبي صلى الله عليه وسلم في حكم عدم أخذ الصدقة، لأن هذا الحكم من خصائصه التي لا تتعداه. فمن لم يكن من آل النبي صلى الله عليه وسلم فله أن يقبل الصدقة، واستحب ذلك كثير من العلماء.
وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل الصدقة وأمر أصحابه بأكلها دليل على أن هذا الأمر خاص به. أما الترفع عن الصدقات والتعفف عنها فهو أمر مستحب لمن كان غنيًا أو غير محتاج، وليس واجبًا.