يشتِمُون مُذَمَّماً، وأنا مُحمّد

0

 

عناية الله باسم النبي ﷺ وحمايته من الأذى

عندما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصدع بالدعوة، جهر بها وبَيَّن لقومه ما هم فيه من ضلالة وشرك. ولما لم يستطع المشركون مواجهة الحجة بالحجة، جَهَروا بالعداوة، وتعرضوا له بالسب والشتم من أول لحظة دعاهم فيها، حقدًا وعصبية.

كان من أوائل وأشد من تعرض له بالإيذاء عمه أبو لهب وزوجته أم جميل، التي نزلت فيها وفي زوجها سورة المسد: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ * سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}.


"يشتِمُون مُذَمَّماً وأنا محمّد"

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه عن سب وشتم أم جميل وغيرها من المشركين له: (ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم! يشتِمُون مُذَمَّماً، ويلعنون مُذَمَّماً، وأنا محمّد) رواه البخاري.

محمد هو كثير الخصال التي يُحمد عليها، بينما "مُذمَّم" هو كثير الخصال التي تُذم. كان كفار قريش، لشدة كراهيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، لا ينطقون باسمه الدال على المدح، بل يعدلون إلى ضده فيقولون "مُذمَّم".

وهنا يظهر وجه الحكمة الإلهية في حماية اسمه الشريف. كما قال ابن حجر: "ومُذَمَّم ليس هو اسمه عليه الصلاة والسلام، ولا يُعرف به، فكان الذي يقع منهم في ذلك مصروفًا إلى غيره".

وفي هذا الصدد، قال القاضي عياض: "فمن خصائصه تعالى له أن ضمَّن أسماءه ثناءه... فأما اسمه أحمد فأفعل مبالغة من صفة الحمد، ومحمد مفعل مبالغة من كثرة الحمد وتكرره".

ويشرح الإمام السيوطي ذلك بقوله: "إن قيل كيف يستقيم ذلك وهم ما كانوا يشتمون الاسم بَلِ الْمُسَمَّى، وَالْمُسَمَّى واحد؟ فالجواب: أن المراد كُفِيَ اسمي الذي هو محمد أن يُشتم بالسب".

أما ابن تيمية فقال: "فهم وإن قصدوا عينه لكن لما وصفوه بأنه مذمم كان سبهم واقعًا على من هو مذمم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم".


أسماء النبي ﷺ في القرآن الكريم

سمّى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم بـ: "محمد" و "أحمد":

  • • اسم "محمد" ذُكر في أربع آيات:
  •     {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (آل عمران:144)
  •     {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)
  •     {وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} (محمد:2)
  •     {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح:29)
  • • اسم "أحمد" ذُكر مرة واحدة في قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (الصف: 6).

كانت هذه التسمية إلهامًا لجده عبد المطلب، فاسم "محمد" لم يكن معروفًا قبل ولادته وبعثته صلى الله عليه وسلم. قال ابن قتيبة: "من أعلام نبوّته صلى الله عليه وسلم أنّه لم يُسَمّ قبله أحد باسم محمد، صِيانة من الله لهذا الاسم".


خاتمة

إن اسم نبينا صلى الله عليه وسلم "محمد" قد حفظه الله تعالى من أن يُذم أو يُذكر بسوء، فمعناه هو الذي يُحمد ويُمدح. وهذا من مظاهر عناية الله عز وجل بنبيه صلى الله عليه وسلم.

كما أن اسم "محمد" يعطر أجواء الدنيا كلها خمس مرات في اليوم والليلة في الأذان، ليُخلد ذكره في كل لحظة، ويكون دلالة فريدة على علو منزلته وقدره عند الله عز وجل، كما قال الشاعر حسان بن ثابت رضي الله عنه:

ألم تر أن الله خلَّد ذِكْره
إذْ قال في الخمس المؤذن: أشهد
وشقَّ له من اسمه ليُجِلّه
فذو العرش محمود، وهذا مُحَمَّد

إرسال تعليق

0 تعليقات
* يرجى عدم إرسال رسائل غير مرغوب فيها هنا.
إرسال تعليق (0)

#buttons=( أقبل ! ) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربتك. لمعرفة المزيد
Accept !