ميراث الأنبياء: لا يُورَّثون
الميراث هو ما يتركه الإنسان لأهله بعد مماته، وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يورثون، وإنما ما يتركونه صدقة. ولهذا لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر). رواه الترمذي وصححه الألباني.
ونبينا صلى الله عليه وسلم لم يترك لأهله وورثته من بعده دينارًا ولا درهمًا، ولا عبدًا ولا أمة، ولا شاة ولا بعيرًا، بل ترك أرضًا جعلها كلها صدقة لله عز وجل.
عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه قال: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته: درهمًا، ولا دينارًا، ولا عبدًا، ولا أَمَةً، ولا شيئًا، إلا بغلته البيضاء وسلاحه، وأرضًا جعلها صدقة). رواه البخاري.
شبهة مطالبة فاطمة بميراثها
عن عائشة رضي الله عنها: (أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خُمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة...). رواه البخاري.
قال ابن حجر: "وكأنهم (الصحابة) كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة لشغله بها، وتمريضها، وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم".
ما حدث من خلاف بين فاطمة رضي الله عنها وأبي بكر الصديق رضي الله عنه كان سببه اختلاف في الفهم، والصواب فيه كان مع أبي بكر، فقد كانت فاطمة تريد أن ترث من أبيها، فأخبرها أبو بكر بأن الأنبياء لا يورثون، كما سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وقف علي رضي الله عنه بجانب زوجته فاطمة ليخفف عنها حزنها.
وقال ابن حجر في فتح الباري: "قال القرطبي: مَن تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة، ومن الاعتذار، وما تضمن ذلك من الإنصاف: عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانًا، لكن الديانة ترد ذلك".
ميراث النبوة والأنبياء
لم يبعث نبينا صلى الله عليه وسلم جامعًا للأموال، وإنما أرسله الله تعالى هاديًا ومبشرًا ونذيرًا. الأنبياء لا يورثون، وإنما ما يتركونه صدقة.
قال الزرقاني: "وأما قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} (النمل: 16)، وقوله عن زكريا: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} (مريم: 6:5)، فالمراد بذلك وراثة العلم والنبوة".
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر). رواه الترمذي وصححه الألباني.
لقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم أن ميراث النبي صلى الله عليه وسلم هو الكتاب والسنة والعلم. فقد مرَّ أبو هريرة بسوق المدينة ووجد الناس مشغولين، فقال لهم: (ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقسَّم وأنتم هاهنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟!) فلما ذهبوا إلى المسجد ووجدوا الناس يصلون ويقرأون ويتذاكرون الحلال والحرام، قال لهم أبو هريرة: (ويحكم، فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم).
لقد عاش نبينا صلى الله عليه وسلم زاهدًا في الدنيا وملذَّاتها، ولو شاء لأجرى الله له الجبال ذهبًا وفضة، ولكنه اختار أن يكون عبدًا رسولًا، وتوفي ولم يترك درهمًا ولا دينارًا، فالدنيا كانت أحقر عنده من أن يسعى لها أو يتركها بعده ميراثًا.