رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ـ على صورته المعروفة في السنة والسيرة النبوية ـ لا تستوي مع رؤية غيره من البشر، وهي من المبشرات التي تفرح القلب وتسعد النفس، فهي تنطوي على بشرى عظيمة.
وقد وردت أحاديث كثيرة في باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، منها:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من رأني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي). رواه البخاري.
- عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني فقد رأى الحق). رواه البخاري.
- عن وهب بن عبد الله السوائي ـ أبو جحيفة ـ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ رَآني في المنام فَكأنَّما رآني في اليقظة، إن الشيطان لا يستطيع أن يَتَمَثَّلَ بي). رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.
- عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بي). رواه البخاري.
هذه الأحاديث الصحيحة دلت على أن الشيطان قد حيل بينه وبين أن يتمثل في صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقد رآه عليه الصلاة والسلام، وذلك إذا رآه في صورته المعروفة عند أهل العلم وفي كتب السنة والسيرة النبوية.
فوائد في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
-
استشارة أهل العلم: على المسلم قبل أن يدعي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض ما رأى على أهل العلم والدين ليخبروه إن كان ما رآه حقاً أو من الشيطان، حتى لا يقع في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي عند تفسيره لقول الله تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} (يوسف: 5): "هذه الآية أصل في ألاّ تقص الرؤيا على غير شفيق، ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها".
- الشيطان لا يأتي على صورته الصحيحة: قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يتمثل الشيطان بي) أي: لا يأتي بصورتي التي يعرفها الناس. لا يمنع ذلك أن يأتي الشيطان بصورة تخالف الصورة الصحيحة، ويقذف في قلب الرائي أنه النبي صلى الله عليه وسلم. لهذا، إذا ادعى بعض أصحاب البدع أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهم بأشياء تخالف الكتاب والسنة، فالتفسير الوحيد لذلك ـ إن صدقوا في دعواهم ـ هو أن الذي رأوه هو الشيطان.
-
الرؤيا ليست وحياً ولا تبنى عليها أحكام: إذا ادعى إنسان أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وأنه أمره بأمر يخالف الكتاب والسنة، فإنه لا يُعمل به. ومع كون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم من المبشرات، إلا أنها ليست وحياً بالاتفاق، ولكنها بشرى.
قال النووي في شرح مسلم عن القاضي عياض: "لا يبطل بسببه - أي المنام - سُنة ثبتت، ولا يثبت به سنة لم تثبت، وهذا بإجماع العلماء".
-
استحالة رؤيته يقظة بعد موته: لم يثبت بدليل شرعي حصول رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته، بل الأدلة تدل على استحالة ذلك شرعًا. وما ذكره البعض من إمكانية رؤيته يقظة بعد وفاته هو من خرافات بعض المبتدعة.
قال ابن تيمية: "وكُلُّ من قال إنه رأى نَبِيّاً بِعَيْن رَأسه، فما رأى إلا خيَالاً".
-
سبب الرؤيا: الأسباب التي تجعل المسلم يرى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام متوقفة ـ بعد فضل الله تعالى ـ على طاعة الله سبحانه، وحب النبي صلى الله عليه وسلم، والشوق لرؤيته، واتباع سنته.
وكلما كان الإنسان أتقى لله وأكثر اتباعاً لسنة النبي، كان توقع رؤياه أكثر احتمالًا. والأمر في النهاية توفيق من الله وفضل يؤتيه من يشاء.
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام جائزة شرعًا وعقلًا، وما مِن شكٍ أن رؤيته صلوات الله وسلامه عليه فرحة لا تضاهيها فرحة. ومع ذلك، لا يجوز بناء الأحكام والمواقف والتصرفات عليها، فهي مبشرات تبعث الأمل ويُفْرَح ويُتفاءل بها، ولا يُبنى حُكْم عليها.