تخيير النبي صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة
لقد اختص الله تعالى أنبياءه ورسله بخصائص فريدة، ومنها تخييرهم عند نهاية آجالهم بين البقاء في الدنيا أو لقاء ربهم. هذه الخصوصية ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله، وقد ورد ذكرها في أحاديث صحيحة.
النبى المخير
قبل وفاته بخمسة أيام، خطب النبي صلى الله عليه وسلم في الناس وقال: (إنّ عبداً خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده). لم يفهم الصحابة أن المقصود هو النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي أدرك بذكائه وفطنته أن هذا إعلان من النبي بقرب أجله، فبكى رضي الله عنه.
هذا الموقف العظيم يظهر عدة أمور:
- منزلة النبي العالية: التخيير بين الدنيا والآخرة هو شرف عظيم لا يُمنح إلا للأنبياء، وهذا يدل على مكانتهم الخاصة عند الله.
- فطنة أبي بكر: بكاء أبي بكر يدل على مدى فهمه العميق للنبي صلى الله عليه وسلم ولرسالته، وقد كان أعلم الصحابة بذلك.
- زهد النبي في الدنيا: اختار النبي صلى الله عليه وسلم لقاء ربه على البقاء في الدنيا، وهذا يؤكد زهده وعظيم رغبته فيما عند الله.
تخيير النبي لا يتعارض مع القرآن
ادعى بعض المشككين وجود تعارض بين حديث التخيير وآيات القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ} (الأنبياء: 34)، مدّعين أن هذه الآية تنفي الخلود لأي بشر، فكيف يخير النبي بينه وبين الموت؟
الجواب على هذه الشبهة بسيط ومباشر:
- الأنبياء بشر: الأنبياء بشر مثلنا، لا يخلدون في الدنيا. والآية الكريمة تثبت هذه القاعدة للجميع، بمن فيهم الأنبياء أنفسهم.
- خصوصية التخيير: التخيير هو خصوصية للأنبياء، لا يتعارض مع حقيقة أنهم سيموتون في النهاية. فالله تعالى علم أنهم سيختارون لقاءه، وهذا التخيير هو تكريم لهم قبل انتقالهم إلى الرفيق الأعلى.
الأحاديث الصحيحة التي وردت في هذا الشأن لا يمكن ردها لمجرد شبهة عقلية. إنها جزء من الخصوصيات التي خصّ الله بها أنبياءه ورسله، وهي دليل على عظم قدرهم ومحبتهم لله تعالى.