النبي محمد: الخليل لا الحبيب
إن منزلة الخُلّة هي أرفع درجات المحبة وأسماها، وقد اختصّ الله تعالى بها من خلقه اثنين فقط: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
على الرغم من أن كثيرًا من الناس يظن أن مقام "الحبيب" أعلى من مقام "الخليل"، إلا أن هذا الظن ليس صحيحًا. فالمحبة صفة عامة تثبت لجميع الأنبياء والصالحين، كما قال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (المائدة: 54)، بينما الخلّة هي أعلى مرتبة من المحبة وأكملها، وهي خاصة جدًا.
أدلة على أن الخلّة أعلى من المحبة
الأحاديث النبوية الصحيحة تؤكد بوضوح أن مقام الخلّة أعلى وأكمل من المحبة:
- النبي صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون له خليل من البشر: قال صلى الله عليه وسلم: (إني أَبْرَأُ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، وإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتَّخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنتُ متخذاً من أُمَّتي خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكر خليلا) رواه مسلم. لو كانت المحبة أعلى، لكان النبي قد اتخذ خليلًا من أصحابه، لكنه نفى ذلك.
- النبي صلى الله عليه وسلم أثبت أنه خليل الله: قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً) رواه مسلم. هذا الحديث يؤكد أن الخلّة منزلة مشتركة بينه وبين إبراهيم عليهما السلام، وهي أعلى من منزلة المحبة العامة.
- المحبة صفة تثبت لكثير من الناس: المحبة تثبت لجميع المؤمنين، فقد يحب النبي أصحابه، لكن الخلّة لا تكون إلا لخاصة الخاصة من عباد الله.
كما قال العلماء، مثل ابن القيم وابن عثيمين والألباني: "الخلة خاصة والمحبة عامة، والخليل هو الذي بلغ غاية المحبة". لذلك، فإن وصف النبي صلى الله عليه وسلم بـ"حبيب الله" فقط هو بخس لحقه، لأن منزلته أعلى وأكمل من ذلك.
خاتمة
الخُلّة تعني تخلُّل المحبة لجميع أجزاء القلب، بحيث لا يبقى فيه مكان لغير محبة الله. وهذا المقام العظيم يعكس عظيم فضل النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند ربه.
إن كل من أحب النبي صلى الله عليه وسلم وعظّمه واتّبع سنته، فإنه ينال الخير من الله، أما من عادى نبينا أو طعن في سنته، فقد عادى عبدًا اتخذه الله خليلًا، والله تعالى ينتقم ممن أساء إليه.
نسأل الله أن يجعلنا من أحباء نبيه المتبعين لسنته، وأن يرزقنا شفاعته.