الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم: خفض الصوت نموذجًا
أوجب الله تعالى على كل مسلم محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره. فحب النبي هو جزء لا يتجزأ من الإيمان، والأدب معه هو أدب مع الله عز وجل. قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (الفتح: 9).
ومن أبرز مظاهر الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم: عدم رفع الصوت فوق صوته. وهذا الأدب ليس مجرد استحسان، بل هو أمر إلهي ورد في القرآن الكريم، وحذر الله تعالى من عواقبه.
قصة ثابت بن قيس رضي الله عنه
كان الصحابي الجليل ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه جهير الصوت، فلما نزلت الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (الحجرات: 2)، خاف ثابت خوفًا شديدًا أن يكون من أهل النار بسبب صوته العالي.
اعتزل ثابت الناس في بيته، فافتقده النبي صلى الله عليه وسلم وسأل عنه. فلما علم بأمره، أرسل إليه من يبشره بأنه ليس من أهل النار، بل من أهل الجنة.
دروس من هذا الموقف:
- حب النبي لأصحابه وسؤاله عنهم: على الرغم من انشغالاته الكثيرة، كان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه ويسأل عن الغائب منهم. وهذا يدل على عمق حبه لهم واهتمامه بأحوالهم.
- فضل ثابت بن قيس: هذا الموقف يظهر عظيم إيمان ثابت رضي الله عنه، وشدة تعظيمه لأوامر الله وللنبي صلى الله عليه وسلم، وخوفه من أن يحبط عمله. وقد كانت المكافأة العظيمة هي بشرى الجنة من النبي صلى الله عليه وسلم.
الأدب مع النبي حيًا وميتًا
لا يقتصر الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم على حياته، بل يمتد إلى ما بعد وفاته.
- خفض الصوت عند قبره:
قال الإمام ابن العربي: "حُرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتًا كحرمته حيًا". ولذلك، كره العلماء رفع الصوت عند قبره.
وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى رجلين يرفعان صوتهما في المسجد النبوي، فأنكر عليهما بشدة، وقال: "لو كنتما من هذا البلد لفعلت كذا وكذا"، أي لعاقبتكما. وهذا يدل على أن هذا الأدب لازم حتى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. - توقير حديثه وسنته:
كما أن رفع الصوت فوق صوته في حياته قد يؤدي إلى حبوط الأعمال، فإن تقديم الآراء والأهواء على سنته بعد وفاته أشد خطورة.
قال ابن القيم: "فما الظن برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به؟! أترى ذلك موجباً لقبول الأعمال، ورفع الصوت فوق صوته موجباً لحبوطها؟!".
خاتمة
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية تظهر في اتباع سنته، وطاعته في كل أمر، واتخاذه قدوة. ومن لوازم هذه المحبة الأدب معه، والذي يظهر في خفض الصوت عند ذكره أو ذكر حديثه، وفي توقير كل ما جاء به من شرع.
فلنحرص على أن يكون حبنا له صلى الله عليه وسلم مقرونًا بالأدب والاتباع، فهو الطريق إلى نيل محبة الله وغفرانه.