حب النبي صلى الله عليه وسلم: وسطية بين الغلو والجفاء
من حقوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم علينا أن نؤمن به ونشهد أنه رسول الله حقًا. ومن مقتضيات هذا الإيمان محبته وتعزيره وتوقيره، ولكن من غير إفراط ولا تفريط، أي من غير غلو ولا جفاء. قال الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الفتح: 8-9).
لقد انحرف مفهوم محبة النبي صلى الله عليه وسلم عند البعض، فتحولت إلى ممارسات مبتدعة كالموالد والقصائد التي تصل إلى الشرك، في حين أن المحبة الحقيقية هي الطاعة والاتباع.
الغلو في حب النبي صلى الله عليه وسلم
الغلو هو مجاوزة حدود ما شرعه الله، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، لعلمه بأن المبالغة في مدحه قد تؤدي إلى الشرك. من مظاهر الغلو التي نهى عنها:
- مساواته بالله في المشيئة:
جاء رجل إلى النبي فقال: "ما شاء الله وشئت"، فأنكر عليه قائلاً: (أجعلتني مع الله عدلًا، لا، بل ما شاء الله وحده). - نسبة علم الغيب إليه:
عندما قالت جارية تمدحه: "وفينا نبي يعلم ما في غد"، نهاها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لا تقولي هكذا)، لأن علم الغيب صفة تختص بالله تعالى. - اتخاذ قبره وثنًا:
دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه قائلاً: (اللهم لا تجعل قبري بعدي وثناً يُعبد)، خوفًا من أن يُغالي فيه الناس ويعبدوه من دون الله. - رفعه فوق منزلته:
قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُطْروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله).
الجفاء في حب النبي صلى الله عليه وسلم
كما أن الغلو مذموم، فإن الجفاء أيضًا مذموم، وهو عدم القيام بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم. ومن أبرز مظاهر الجفاء:
- ترك متابعته وسننه:
أخطر صور الجفاء هي ترك طاعته والاستخفاف بسنته. قال تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7). وقال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبَىَ) رواه البخاري. - ذكره باسمه مجردًا:
نهى الله تعالى عن مناداته باسمه مجردًا كبقية الناس، فقال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} (النور: 63). - ترك الصلاة والسلام عليه:
قال صلى الله عليه وسلم: (البخيل: من ذُكِرْتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ). وترك الصلاة عليه يسبب الحسرة والندامة. - الانتقاص من أصحابه:
من الجفاء الانتقاص من قدر الصحابة الذين صاحبوه وأحبوه. قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه). - رد الأحاديث الصحيحة:
من أخطر صور الجفاء رد الأحاديث الصحيحة بحجة مخالفتها للعقل أو الهوى. قال صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما أمرتُ به أو نهيتُ عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه).
خاتمة
إن حب النبي صلى الله عليه وسلم الصادق يظهر أثره على الجوارح واللسان:
- باللسان: يظهر في مدحه والثناء عليه والصلاة والسلام عليه.
- بالجوارح: يظهر في اتباع سنته وطاعته في كل أمر.
فالمؤمن الحق يتصف بالوسطية والاعتدال في حبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يغالي ولا يجفو.