عصمة الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أعدائه
لقي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرًا من الأذى والمكائد من أعدائه منذ أن جهر بدعوته، ولكن الله تبارك وتعالى حفظه ونصره وعصمه منهم. وقد أخبره الله بحفظه وسلامته من كيدهم وعدوانهم، فقال له: **{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}** (المائدة: من الآية67).
قال **ابن كثير**: "أي بلغ أنت رسالتي، وأنا حافظُك وناصرُك ومؤيدُك على أعدائك ومُظفِرُك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل إليك أحدُ منهم بسوء يؤذيك".
قصة نزول الآية
تقول **عائشة** ـ رضي الله عنها ـ: كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُحْرَس حتى نزلت هذه الآية: **{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}**، فأخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأسَه من القبة، وقال لهم: **(يا أيها الناس، انصرفوا عني، فقد عصمني الله)**.
دلائل النبوة في الآية
تحمل آية **{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}** دليلين على نبوته:
- أولهما: إخبار الله له بحفظه، وهذا ما حدث بالفعل.
- ثانيهما: تصرف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد نزول الآية، حيث صرف حراسه. هذا اليقين التام بما أنزل الله إليه يدل على صدق دعوته، فلو كان يدعي النبوة ما غامر بحياته وعرّض نفسه للخطر.
قال **الماوردي**: "فمن معجزاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ: عصمتُه من أعدائه، وهم الجمُّ الغفير... وما كان ذاك إلا بعصمةٍ إلهيةٍ وعدَه الله تعالى بها فحققها".
أمثلة على حفظ الله لرسوله
هناك العديد من المواقف التي تظهر حفظ الله للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكفّ الأعداء عنه:
محاولة أبي جهل قتل النبي
عن **أبي هريرة** ـ رضي الله عنه ـ قال: قال **أبو جهل**: هل يعفِّر محمدٌ وجهه بين أظهركم (يعني بالسجود)؟ فقيل له: نعم. فقال: واللاتِ والعزى، لئن رأيتُه يفعلُ ذلك لأطأنَّ على رقَبَتِه. فأتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يصلي، فلما اقترب منه، رجع على عقبيه مرتعبًا يتقي بيديه. فقيل له: ما لَك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولًا وأجنحة. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: **(لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا)**.
حماية الملائكة للنبي في غزوة أحد
عن **سعد بن أبي وقاص** ـ رضي الله عنه ـ قال: (رأيت عن يمين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض، يقاتلان كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد - يعني جبريل وميكائيل).
حفظه في الهجرة
عندما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هجرته، لحق بهما **سراقة بن مالك**، فقال له **أبو بكر الصديق**: أُتينا يا رسول الله، فقال: **(لا تحزن إن الله معنا)**. فدعا عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فارتطمت فرس سراقة في الأرض. فطلب سراقة الأمان، ودعا له النبي فنجا، وعاهده أن يردّ عنهما الطلب. كان **سراقة** أول النهار ساعيًا في البحث عن النبي لإيذائه، وفي آخره أصبح حارسًا له يدافع عنه. وقد أسلم **سراقة** بعد ذلك.
نجاته من الأعرابي
عن **جابر بن عبد الله** ـ رضي الله عنهما ـ قال: بينما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نائمًا تحت شجرة، أتاه رجل من المشركين وأخذ سيفه. استيقظ النبي والسيف مسلول في يده، فقال له الأعرابي: من يمنعك مني؟ فقال النبي: **(الله)**. فسقط السيف من يد الأعرابي، فأخذه النبي وقال له: **(من يمنعك مني؟)**، فقال: كن كخير آخذ. فخلى سبيله، وعاد الأعرابي إلى قومه قائلًا: "قد جئتكم من عند خير الناس".
حفظه من قريش
اجتمع الملأ من قريش في الحجر وتعاهدوا على قتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. فأتت ابنته **فاطمة** ـ رضي الله عنها ـ إليه تبكي وأخبرته بما تعاهدوا عليه. فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: **(أريني وضوءًا)**، ثم دخل عليهم المسجد. فلما رأوه، خفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم على صدورهم، ولم يستطع أحد منهم أن يقوم إليه. فأخذ النبي قبضة من التراب وقال: **(شاهت الوجوه)**، ثم حصبهم بها، فما أصابت حصاة رجلًا منهم إلا قُتل يوم بدر كافرًا.
كل هذه الأمثلة تشهد على صدق نبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتأييد الله له وحفظه إياه، وصدق الله تعالى حيث يقول: **{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}**.