الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فضائل وأحكام
إن نعم الله تعالى على عباده كثيرة لا تحصى، وأعظم نعمة أنعم الله بها على الثقلين ـ الجن والإنس ـ أن بعث فيهم عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ليخرجهم به من الظلمات إلى النور، ويرشدهم إلى سبيل النجاة والسعادة. وقد نوّه الله بهذه النعمة العظيمة في كتابه العزيز فقال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (آل عمران:164).
ولما كانت نعمة الله تعالى على المؤمنين بإرسال رسوله - صلى الله عليه وسلم - إليهم عظيمة، أمرهم الله تعالى في كتابه العزيز أن يصلوا عليه ويسلموا تسليمًا، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب:56).
كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
بيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه كيفية الصلاة عليه، وهي أفضل الكيفيات، لأنها لا تكون إلا بالأشرف والأفضل. وقد وردت هذه الكيفية في أحاديث عدة، منها:
-
عن كعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ قال: (قيل يا رسول الله، أمّا السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟، قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) (البخاري).
-
عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: (أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟، قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -... ثم قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم) (مسلم).
وقد درج السلف الصالح بذكر الصلاة والسلام عليه بصيغتين مختصرتين: (صلى الله عليه وسلم) و (عليه الصلاة والسلام). وقال النووي: "إذا صلى أحدكم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما".
فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر ابن القيم في كتابه (جلاء الأفهام) فضائل وثمرات كثيرة للصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، منها:
-
صلاة بصلوات: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا) (مسلم).
-
رفع للدرجات وحط للسيئات: عن أبي طلحة ـ رضي الله عنه ـ قال: (...من صلى عليك من أمتك صلاة، كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها) (أحمد).
-
مغفرة للذنوب وكفاية الهموم: عن أُبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: (أجعل لك صلاتي كلها؟، قال: إذا تُكفى همك ويغفر لك ذنبك) (الترمذي).
-
نيل شفاعة الحبيب: عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (...ثم سلوا الله لي الوسيلة... فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة) (مسلم).
-
عرض الاسم على النبي: عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن لله عز و جل ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) (أحمد).
-
انتفاء صفة البخل: عن الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (البخيل منْ ذُكِرْتُ عنده ثم لم يصل عليَّ) (أحمد).
-
طُهرة من لغو المجالس: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرة - نقص وحسرة -، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) (الترمذي).
-
سبب لإجابة الدعاء: عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: "كل دعاء محجوب حتى يُصلى على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ" (الطبراني).
تنبيهات هامة
ينبغي على المسلم أن يحرص على الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصفاتها الشرعية الثابتة في السنة النبوية، وأن يحذر من الغلو فيه، كما حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته، فقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) (البخاري).
وقد ذكر أهل العلم أوقاتًا وأحوالًا يُستحب عندها أن نصلي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منها: عند الصباح والمساء، وقبل الدعاء، وفي التشهد الأخير في الصلاة، ويوم الجمعة، وعند ذكره وسماع اسمه أو كتابته، وبعد الأذان.
إن الصلاة على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أعظم القربات، كما أنها علامة على محبة المسلم للنبي. فعلينا أن نكثر من الصلاة والتسليم عليه في كل وقت وحين، وأن نوقره ونجله، ونقدم قوله وطاعته على طاعة كل أحد.