غزوة مؤتة: ملحمة خالدة في تاريخ الإسلام
وقعت غزوة مؤتة في جمادى الأولى من العام الثامن للهجرة، وكانت معركة فاصلة بين المسلمين والإمبراطورية الرومانية. على الرغم من قلة عدد المسلمين، إلا أنهم أظهروا شجاعة فائقة وإيماناً راسخاً، فصنعوا من هذه المعركة ملحمة بطولة خالدة.
أسباب الغزوة
كان السبب المباشر للغزوة هو مقتل الحارث بن عمير الأزدي، رسول النبي محمد صلى الله عليه وسلم، على يد شرحبيل بن عمرو الغساني، حاكم بصرى، بعد أن رفض دعوة الإسلام. أراد النبي محمد ﷺ إرسال جيش لردع الروم والغساسنة ومنعهم من التعرض للمسلمين.
مسار المعركة
جهز النبي محمد ﷺ جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، ووضع على رأسه قيادات متتالية: زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة. وأمرهم بالدفاع فقط وعدم المبادرة بالهجوم.
وصل جيش المسلمين إلى مؤتة، وهناك تفاجأوا بحجم جيش الروم الذي كان يفوقهم عدداً بأضعاف مضاعفة، حيث بلغ مائتي ألف مقاتل.
بدأت المعركة واستُشهد القادة الثلاثة تباعاً:
- زيد بن حارثة: استُشهد في بداية المعركة.
- جعفر بن أبي طالب: تولى القيادة واستُشهد بعده.
- عبد الله بن رواحة: تولى القيادة واستُشهد هو الآخر.
بعد استشهاد القادة الثلاثة، تولى القيادة خالد بن الوليد الذي أظهر عبقرية عسكرية فذة. قام بتنظيم انسحاب تكتيكي للمسلمين، وقاتل ببسالة فائقة، مما أثار دهشة الروم. وظن الروم أن كل قائد مسلم هو خالد بن الوليد، مما دفعهم للفرار من أرض المعركة.
نتائج الغزوة ودروسها
رغم انسحاب المسلمين، حققت غزوة مؤتة أهدافها السياسية والعسكرية. فقد أظهرت قوة المسلمين وقدرتهم على مواجهة أعدائهم، ومنعت الروم من التقدم، ومهّدت الطريق لفتوحات لاحقة في بلاد الشام.
من أهم دروس الغزوة:
- قوة الإيمان: قاتل المسلمون بشجاعة فائقة رغم قلة عددهم، مما يدل على أن الإيمان أقوى سلاح.
- التضحية: قدم المسلمون تضحيات عظيمة في سبيل الله.
- التخطيط والذكاء: أظهر خالد بن الوليد عبقرية عسكرية فذة في إدارة المعركة.
استقبال الرسول ﷺ للعائدين
عندما عاد المسلمون من غزوة مؤتة، كان النبي ﷺ في استقبالهم.
- ترحيب وحزن: استقبل الناجين بترحيب حار، لكنه حزن حزناً عميقاً على استشهاد زيد وجعفر وعبد الله، وذرفت عيناه الدموع عليهم.
- تثبيت الإيمان: حرص النبي ﷺ على رفع معنويات المسلمين، مؤكداً لهم أن شهداء مؤتة أحياء عند ربهم يرزقون.
- مواقف خالدة: عندما سأل النبي خالد بن الوليد عن حال المسلمين في المعركة، قال خالد: "قاتلنا قتالاً شديداً ثم ولّينا الأدبار". فقال النبي: "كلاً، بل قاتلتم قتالاً عظيماً، لولا أنّكم ولّيتم الأدبار لَقُتلتم عن آخركم". كما أمر بغسل الشهداء وتكفينهم ودفنهم في البقيع.