"فليقل خيرًا أو ليصمت": حديث جامع في تهذيب اللسان
يُعدّ حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت" من جوامع الكلم النبوي، فهو يربط بين الإيمان القويّ بالله واليوم الآخر وبين تهذيب اللسان، ويضع قاعدةً ذهبيةً لكلّ مؤمن.
دلالات الحديث وأبعاد الإيمان
يربط الحديث بين ثلاث خصال حميدة والإيمان بالله واليوم الآخر:
- قول الخير أو الصمت: وهو أساس الحديث.
- إكرام الجار.
- إكرام الضيف.
وهذا الربط يوضّح أن هذه الأعمال ليست مجرد عادات اجتماعية، بل هي جزء لا يتجزأ من الإيمان.
حقيقة "قول الخير أو الصمت"
- معنى الخير: كلمة "الخير" هنا جامعة، تشمل كل ما ينفع المسلم في الدنيا والآخرة، سواء كان طاعة لله، أو نصيحة، أو مزاحًا لا يخرج عن الحق، أو كلامًا مباحًا يُقوّي الألفة بين الناس.
- حدود الصمت: ليس المقصود بالصمت ترك الكلام مطلقاً، بل المقصود هو الصمت عن الشر وما لا فائدة فيه. فالكلام المباح الذي يزرع الألفة بين المؤمنين مطلوب، كما جاء في الحديث: "المُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤْلَفُ".
خطورة اللسان وأهمية ضبطه
يُظهر الحديث والأحاديث الأخرى المذكورة خطورة الكلمة، سواء كانت خيراً أم شراً، وتأثيرها الكبير على مصير الإنسان.
- الكلمة تهوي بصاحبها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم".
- الكلمة ترفع صاحبها: وقال في المقابل: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات".
- حساب كل كلمة: كل ما يتكلم به الإنسان يُسجّل عليه، كما قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
- السكوت خير من الكلام بلا فائدة: كل كلمة لا تكون خيراً، فالسكوت عنها أفضل. والإكثار من الكلام بغير ذكر الله يُقسي القلب، ويُعرّض صاحبه للذنوب. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من كثر كلامه، كثر سقطه، ومن كثر سقطه، كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه، كانت النار أولى به".
متى يكون الكلام أفضل من الصمت؟
النطق بالخير أفضل من الصمت، كما قال الأحنف بن قيس: "النطق أفضل، لأن فضل الصمت لا يعدو صاحبه، والمنطق الحسن ينتفع به من سمعه".
ومع ذلك، فإن الكلام فتنة. لهذا، على المؤمن أن يوازن بينهما. والحكيم هو من يجعل كلامه و سكوته خالصاً لوجه الله تعالى.
- إذا كان الكلام لنشر العلم: فإنه أفضل.
- إذا كان الكلام لذكر الله: فإنه أفضل.
- إذا كان الكلام للصلح بين الناس: فإنه أفضل.
أما صيام الصمت، أي اعتقاد أن الصمت المطلق عبادة، فهو محرّم في الإسلام، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
في النهاية، الأمر ليس تفضيلاً مطلقًا بين الصمت والكلام، بل هو التزام بالكلام بالخير، والصمت عن الشر، وإحسان استخدام اللسان الذي هو أداة إما للنجاة أو للهلاك.