من هو السفيه؟ مفهومه في اللغة والقرآن الكريم
تُعد كلمة "السفيه" من المصطلحات القرآنية التي تحمل دلالات عميقة، وتتجاوز معناها اللغوي البسيط لتشمل أبعاداً شرعية وفكرية مهمة. فمن هو السفيه؟ وكيف وصفه القرآن الكريم؟
السَّفَه: بين المعنى اللغوي والاصطلاحي
- لغويًا: السَّفَه يعني نقص العقل، وخفة الطيش، وسوء التصرف. فالشخص السفيه هو من يتصرف بتهور وعدم حكمة.
- اصطلاحًا (فقهيًا): يرى الفقهاء أن السفيه هو الشخص الذي يُسرف في إنفاق ماله في غير وجه حق، وبما لا يعود عليه أو على الآخرين بالنفع. وهذا السفه في المال قد يكون ناتجًا عن ضعف في العقل أو تهور في التفكير.
السفهاء في القرآن الكريم: أنواع ومواقف
تنوعت استخدامات كلمة "السفهاء" و"السفه" في القرآن الكريم، لتشمل عدة أنواع من الأشخاص أو الأفعال التي تتسم بنقص الحكمة وسوء التدبير:
1. السفهاء في المال:
يصف القرآن الكريم هذا النوع في سورة النساء، حيث ينهى عن تسليم الأموال لمن لا يحسنون التصرف فيها: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]. ويأمر ولي السفيه برعايته، وإعطائه ما يكفيه من رزق وكسوة، حتى يبلغ سن الرشد ويُختبر صلاح تصرفه في المال.
2. السفهاء في العقيدة والفكر:
- منكري الحقائق: قال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ} [البقرة: 142]. وهؤلاء هم من يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بالتهور والتسرع في تغيير القبلة، لجهلهم بحكمة الله وتدبيره.
- المستهزئون بالمؤمنين: قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13]. وهنا، يصف المنافقون المؤمنين بالسفهاء لاتباعهم الحق، فيرد الله عليهم بأنهم هم السفهاء الحقيقيون لجهلهم بالحق.
- من ابتعد عن ملة إبراهيم: قال تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]. أي من ضل عن طريق الحق، فهو سفيه العقل، لتركه طريق النجاة واتباعه طريق الهلاك.
- المشركون والجاهلون: يصف النبي شعيب وقومه السفهاء بالكاذبين في قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} [الأعراف: 66]. فيرد عليهم: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 67].
3. السفهاء في السلوك:
- قتلة الأولاد: قال تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 140]. وهو وصف لمن ارتكبوا جريمة قتل أولادهم لجهلهم وعدم حكمتهم، خوفاً من الفقر.
- المتهورون في العبادة: قال تعالى على لسان موسى عليه السلام: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} [الأعراف: 155]. وهذا قاله موسى بعد أن أخذت قومه الرجفة، بسبب ما فعله بعضهم من عبادة العجل، وهو فعل يدل على سفه العقل ونقص الدين.
خلاصة
يُظهر القرآن الكريم أن السفه ليس مجرد ضعف في العقل أو سوء في التصرفات المالية، بل هو مفهوم أوسع يشمل الانحراف عن الحق والجهل بالدين، والاستهزاء بالمؤمنين، وسوء التدبير في الأمور الدنيوية والدينية. وهكذا، فإن السفيه الحقيقي هو من يتبع هواه ويترك هداية ربه.