نبوءة فتح الحيرة: معجزة من دلائل النبوة
من أبرز معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته، إخباره بأمور غيبية مستقبلية تحققت بعد وفاته. ومن هذه النبوءات الدقيقة، ما بشّر به أصحابه من فتح مدينة الحيرة، وهي مدينة قديمة في العراق. وقد وقعت هذه النبوءة بعد عام واحد من وفاته صلى الله عليه وسلم، مما يؤكد أن ما جاء به هو وحي من الله، لا مجرد كلام بشري.
النبوءة والتحقق
في السنة التاسعة للهجرة، عاد خريم بن أوس رضي الله عنه من غزوة تبوك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي، وهذه الشيماء بنت نفيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود". وطلب خريم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يهبه هذه المرأة إن فتحوا الحيرة، فوافقه النبي. كان هذا الطلب يدل على يقين خريم بصدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، رغم أن فتح الحيرة كان يبدو مستحيلاً في ذلك الوقت.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعام، في خلافة أبي بكر الصديق، توجه المسلمون لفتح العراق. وعندما وصلوا إلى الحيرة، كانت أول من استقبلهم امرأة بنفس الأوصاف التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم: "الشيماء بنت نفيلة، على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود".
تعرف عليها خريم بن أوس على الفور، وأخبر خالد بن الوليد بأنها هبة من النبي صلى الله عليه وسلم. وقد شهد له بذلك محمد بن مسلمة ومحمد بن بشر الأنصاري، فسلمها له خالد. ثم جاء أخوها واشتراها منه بألف درهم، وكان خريم يظن أن هذا هو أكبر عدد يمكن أن يصل إليه، مما يدل على بساطته، ولكنه حصل على وعد النبي صلى الله عليه وسلم الذي تحقق كما هو.
دلالات المعجزة
إن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن تفاصيل دقيقة لحدث سيقع بعد سنوات من وفاته، يثبت أنه كان يتلقى وحيًا من الله تعالى. فمعرفة الغيب أمر يختص به الله وحده، ولا يطلع عليه أحد من خلقه إلا من ارتضاه من الرسل، كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن:26-27). وهذه النبوءة دليل قاطع على أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله، وأن ما جاء به هو الحق المبين.