النبوءات النبوية: الإعجاز في الإخبار عن الغيب
يزخر التاريخ بأخبار الرجال الذين ادّعوا معرفة الغيب، لكن القليل منهم استطاع أن يصيب في بعض ما قاله دون دقة في التفاصيل. أما أن يوجد من يخبر بعشرات من الأمور المستقبلية بأوصاف شاملة ودقيقة، فذلك أمر لا يمكن الوصول إليه إلا بوحي من الله. وهذا ما جعل إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن الأحداث والوقائع التي كانت في حياته وبعد مماته وجهًا من وجوه الإعجاز.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن كثير من الغيوب التي أطلعه الله عليها في مناسبات عديدة، كان أهمها موقفه حين قام خطيبًا فأخبرهم بما هو كائن إلى يوم القيامة، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
(قام فينا النبي - صلى الله عليه وسلم - مُقامًا، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه) رواه البخاري.
تتنوع النبوءات النبوية بين الإخبار عن أحداث ماضية ومستقبلية، وسأعرض لك بعضًا من هذه النبوءات.
الإخبار عن شهادة الأصحاب وسوء الخاتمة للبعض
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم باستشهاد عدد من أصحابه، مثل عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما. وقال عن عمار بن ياسر رضي الله عنه:
(ويح عمار تقتله الفئة الباغية) رواه البخاري.
كما أخبر بمقتل قادة المسلمين الثلاثة في معركة مؤتة في اليوم الذي قُتلوا فيه، رغم بعد المسافة. وأخبر أن أسرع أزواجه لحوقًا به أطولهن يدًا، فكانت زينب رضي الله عنها لطول يدها بالصدقة. وأخبر أن ابنته فاطمة رضي الله عنها أول أهله لحوقًا به، فتوفيت بعد أقل من ستة أشهر من وفاة أبيها.
وفي المقابل، أخبر صلى الله عليه وسلم بسوء الخاتمة لبعض من عاصره، مثل أمية بن خلف، وأخبر بمقتل كبار قريش في معركة بدر مبينًا مواضع قتلهم، فلم يجاوز أحدهم موضعه.
ومن ذلك أيضًا ما حدث في إحدى المعارك النبوية حينما قاتل رجل في صفوف المسلمين بشجاعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(أما إنه من أهل النار).
فراقبه أحد الصحابة، فوجده مثخنًا بالجراح، فاستعجل الموت وقتل نفسه. رواه البخاري.
الإخبار عن أحداث مستقبلية للأمة
1. انتشار الإسلام وعظمته
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن العديد من أحداث المستقبل، يأتي في مقدمتها الإخبار عن ظهور هذا الدين واتساع رقعته، فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) رواه البخاري.
وعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) رواه مسلم.
كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن فتح الشام وبيت المقدس وفتح اليمن ومصر، وغلبة الروم لأهل فارس كما في سورة الروم. وأخبر صلى الله عليه وسلم عن زوال مملكتي فارس والروم، ووعد سراقة بن مالك رضي الله عنه أن يلبس سواري كسرى، وقد تحقق ذلك في عهد عمر بن الخطاب.
2. الفتن والضعف
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الضعف والهوان الذي سيصيب الأمة من بعده وتكالب أعدائها عليها. فعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها).
فقال أحدهم: "ومن قلةٍ نحن يومئذ؟" فقال لهم: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت).
وأخبر عن افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، وعن تقليد المسلمين لأمم الكفر حتى لو دخلوا جحر ضب.
الإخبار عن علامات الساعة
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن كثير من علامات الساعة الصغرى التي تحققت بالفعل، مثل:
- كثرة المال واستفاضته، كما حدث في عهد عمر بن عبد العزيز.
- ظهور الفتن، حتى يصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر.
- تطاول الحفاة الرعاة في البنيان.
- انتشار الفواحش والربا والحروب والزلازل.
- ادعاء ثلاثين رجلاً للنبوة.
وهذه العلامات الصغرى التي تحققت هي شاهد صدق على العلامات الكبرى التي لم تقع بعد، مثل:
- عودة جزيرة العرب مروجًا وأنهارًا.
- خروج الدجال.
- نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان.
- قتال اليهود واختبائهم وراء الحجر والشجر.
- طلوع الشمس من مغربها.
في النهاية، هذه النبوءات والأخبار الغيبية تؤكد على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وتزيد المسلم ثباتًا ويقينًا بأن ما أخبر به حق، وأن هذا الدين هو الدين الخاتم الذي ارتضاه الله للناس.