عالمية رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم للإنس والجن
فضل الله تعالى بعض الأنبياء على بعض، وخصهم بخصائص لم يمنحها لغيرهم. ومن أعظم هذه الخصائص التي اختص بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم هي عموم رسالته، فهو لم يُبعث إلى قومه خاصة كما كان الحال مع الأنبياء السابقين، بل أُرسل إلى جميع الخلق: الإنس والجن.
أدلة من القرآن والسنة
القرآن الكريم والسنة النبوية يؤكدان بشكل قاطع أن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم شملت الجن كما شملت الإنس:
- القرآن الكريم: يصف الله تعالى في سورة الأحقاف وسورة الجن استماع نفر من الجن للقرآن من النبي صلى الله عليه وسلم. عندما سمعوه، آمنوا به ورجعوا إلى قومهم يدعونهم إلى الإيمان. قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ} (الجن: 1-2).
- السنة النبوية: يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه هذه الخصوصية. قال في الحديث الشريف: (كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود) رواه مسلم. وفسر العلماء "الأحمر والأسود" بالإنس والجن. وهذا الحديث دليل واضح على أن رسالته عامة وشاملة.
قصة إسلام الجن
القصة التي رواها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين توضح كيف التقى النبي صلى الله عليه وسلم بالجن واستمعوا إليه. في إحدى رحلاته، مر بمجموعة من الجن وهم يصلون بأصحابه صلاة الفجر. وعندما سمعوا القرآن، علموا أنه السبب في حجبهم عن أخبار السماء، فآمنوا به ورجعوا إلى قومهم منذرين.
وهناك قصة أخرى، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، حيث التقى النبي صلى الله عليه وسلم بالجن وذهب معهم وقرأ عليهم القرآن، وهي تدل على أن لقاءه بهم لم يكن مرة واحدة. وهذا التنوع في القصص يؤكد عظمة هذه الخصوصية وتعددها.
أهمية عموم الرسالة
عالمية رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد تفصيل، بل هي أساس في دين الإسلام:
- وحدة الرسالة: الإسلام هو دين الإنسانية جمعاء، لا يفرق بين عرق أو جنس أو زمان.
- إبطال الشرائع السابقة: عموم رسالته تعني أن شريعته ناسخة لجميع الشرائع السابقة، وأنه لا طريق إلى الله إلا باتباعه.
- تكليف للجميع: الإنس والجن مكلفون بالإيمان به واتباع أوامره، ومن لم يفعل ذلك فقد خسر في الدنيا والآخرة.
إن فهم هذه الخصوصية العظيمة يزيد من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم في قلوبنا، ويؤكد لنا أن رسالته رحمة للعالمين جميعًا.