وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ: تكريم إلهي لا مثيل له
لقد حبى الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بمنزلة عظيمة ورفعة لم يبلغها أحد من قبله ولا من بعده. ومن أعظم مظاهر هذا التكريم قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (الشرح: 4).
هذه الآية الكريمة ليست مجرد وعد، بل هي حقيقة ملموسة نراها في حياتنا اليومية وفي كل عباداتنا. رفع الله ذكره وجعله حاضرًا في كل جوانب الدين.
مظاهر رفع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
1. اقتران اسمه باسم الله
هذه هي أسمى مراتب التكريم. فما من مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، إلا ويتبعها بشهادة أن محمدًا رسول الله. هذا الاقتران يتكرر في الأذان، والإقامة، والتشهد في الصلاة، وخطب الجمعة والأعياد. هذا الربط بين اسم الخالق واسم المخلوق هو تشريف لا يُدرك مداه.
2. ذكره في الملأ الأعلى
لم يقتصر رفع ذكره على الأرض فقط، بل يمتد ليشمل السماء. فالله تعالى وملائكته يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، أي يثنون عليه ويدعون له. وقد أمر الله المؤمنين بالصلاة عليه، وجعل ذلك سببًا لرفع درجاتهم. قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشرا) رواه مسلم.
3. حفظه من السُّباب
من مظاهر رفعة ذكره أن الله صرف عنه أذى المشركين وسُبابهم. فعندما كان كفار قريش يشتمون "مُذمّمًا" ظنًا منهم أنهم يشتمونه، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم!، يشتمون مُذمّما، ويلعنون مذمّما، وأنا محمد) رواه البخاري. لقد جعل الله ذكرهم يقع على اسم آخر، ولم يصله السوء.
4. مخاطبته بصفة النبوة والرسالة
في القرآن الكريم، نادى الله تعالى الأنبياء بأسمائهم المجردة (يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى)، لكنه لم ينادِ النبي محمدًا باسمه قط. بل كان يخاطبه بصفته: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} أو {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ}، وهذا يدل على علو قدره.
تنبيه هام
رغم هذه المنزلة العظيمة، يجب أن نعي أن النبي صلى الله عليه وسلم يبقى عبدًا لله ورسولًا له. فالله تعالى هو الذي رفعه وكرمه، لكنه ليس شريكًا له في الألوهية.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري.
إن الغلو في تعظيمه، أو سؤاله من دون الله، أو رفعه إلى منزلة الألوهية، هو أمر يخالف هديه ويدمر أصل الدين الذي جاء به، وهو التوحيد الخالص لله.
فمبلغ العلم فيه أنه بشر، وأنه خير خلق الله كلهم.