الأدب مع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم

0

 


آداب المسلم مع أقوال وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم

إن ادعاء حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يكتمل إلا إذا انطلقت الجوارح بطاعته واتباعه. فالحب الحقيقي ليس مجرد كلمات، بل هو اتباع قدوة في الظاهر والباطن، والعبادات والأخلاق.

قال الله تعالى:

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب:21)

وقال أيضاً:

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران:31)


آداب الصحابة مع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم

كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يضربون أروع الأمثلة في الأدب مع النبي وأحاديثه، ومن ذلك:

  • الإنصات الكامل والخشوع:
    عندما يتكلم النبي صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة ينصتون إليه بسكون تام، وكأن على رؤوسهم الطير، دلالة على هيبتهم له وإجلالهم لحديثه.

    عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال في وصفهم: (وإذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا) رواه الترمذي.

  • السؤال بقصد العلم والعمل:
    كانت أسئلتهم بقصد الاستيضاح والتعلم، لا الجدال والمكابرة، لأنهم علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كره كثرة السؤال فيما لا يُحتاج إليه.

    عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يُحَّرَّم، فحُرِّم من أجل مسألته) رواه البخاري.

  • المذاكرة والتأكيد:
    كانوا إذا سمعوا حديثًا من النبي صلى الله عليه وسلم، يتذاكرونه فيما بينهم ليتأكدوا من حفظه وفهمه والعمل به.

آداب السلف وعلماء الأمة مع الحديث

لم يتوقف الأدب مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم بوفاته، بل استمر السلف الصالح وعلماء الأمة على هذا النهج، ومن ذلك:

  1. عدم تقديم أي رأي على الحديث:
    قال ابن القيم: "من الأدب معه صلى الله عليه وسلم ألا يُستشكل قوله، بل تُستشكل الآراء لقوله، ولا يُعارض نصه بقياس، بل تُهدَر الأقيسة وتلقى لنصوصه".

    وقال الإمام الشافعي: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقولوا بقول رسول الله، وهو قولي".

    وقال الإمام أحمد بن حنبل: "من رد حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فهو على شفا هلكة".
  2. تعظيم الحديث والعمل به:
    كان السلف الصالح يظهرون أقصى درجات الاحترام للحديث النبوي، لأنه كلام يُوحى به من الله.

    فعندما أراد أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "هلموا إلى ميراث نبيكم".

    وكان الإمام مالك إذا أراد أن يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، توضأ ولبس أحسن ثيابه، تعظيمًا لحديث رسول الله.

خاتمة

هكذا كان الصحابة والسلف الصالح يتأدبون مع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته، ولم يقدموا قول أحد على قوله إن ثبت وصح عنه. وهذا هو تمام الحب والأدب.

يقول ابن القيم:

"التقدم بين يدي سنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته، ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم".

فالواجب علينا أن نتبع هديهم، وأن نجعل سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي المرجع الأول والأخير في حياتنا.

إرسال تعليق

0 تعليقات
* يرجى عدم إرسال رسائل غير مرغوب فيها هنا.
إرسال تعليق (0)

#buttons=( أقبل ! ) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربتك. لمعرفة المزيد
Accept !