فضائل المدينة المنورة وآداب سكنها
المدينة المنورة، طَيْبةَ الطيِّبةَ، ملتقى المهاجرين والأنصار، وموطن الذين تبوؤوا الدار والإيمان، والعاصمة الأولى للمسلمين. فيها عقدت ألوية الجهاد في سبيل الله، فانطلقت كتائب الحق لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومنها شعَّ النور، فأشرقت الأرض بأنوار الهداية.
وهي دار هجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، إليها هاجر، وفيها عاش آخر حياته، وبها مات، ومنها يبعث. ومن ثم عظُم شرفها، وعلت منزلتها، حتى فُضلت على سائر بقاع الأرض ـ عدا مكة المكرمة ـ، وفضائلها كثيرة.
فضائل المدينة المنورة
-
محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودعاؤه لها:
دعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربه قائلًا: (..اللهم حبب إلينا المدينة كحبّنا مكة أو أشد) (البخاري)، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: (كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا قدم من سفر، فأبصر إلى درجات المدينة، أَوْضَع ناقته - حثها على السرعة -، وإن كان على دابة حركها)، زاد الحارث بن عمير: (حركها من حبها) (البخاري).
-
البركة:
عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفي ما جعلت بمكة من البركة) (البخاري)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (...اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مُدنا..) (مسلم).
-
حفظها من الدجال والطاعون:
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال) (البخاري).
-
فضيلة الصبر على شدتها:
وعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من صبر على شدة المدينة وضيق عيشها بالشفاعة يوم القيامة. فعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون... ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة) (مسلم).
-
تنفي الذنوب ويجتمع فيها الإيمان:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن الإيمان ليأرز - ينضم ويجتمع - إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) (البخاري). وعن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إنها - أي المدينة - طَيْبةُ، تنفي الخبث، كما تنفي النار خبث الفضة) (مسلم).
-
حفظ الله إياها ممن يريدها بسوء:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول ـ الله صلى الله عليه وسلم ـ: (لا يكيد أَهْلَ المدينة أحد، إلا انماع - ذاب - كما ينماع الملح في الماء) (البخاري). وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل) (مسلم).
-
كونها حرمًا آمنًا:
عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة) (مسلم).
-
اسمها "طيبة":
عن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال: (كانوا يقولون يثرب والمدينة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن الله ـ تبارك وتعالى ـ سماها طيبة) (أحمد). وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن الله سمى المدينة طابة) (مسلم).
-
فضل الصلاة في مسجدها:
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) (البخاري). وفي مسجده بقعة وصفها رسول الله بأنها روضة من رياض الجنة، وذلك في قوله: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) (البخاري).
-
فضل الموت فيها:
عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها) (الترمذي). ومن ثم كان عمر ـ رضي الله عنه - يدعو فيقول: (اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك ـ صلى الله عليه وسلم ـ) (البخاري).
آداب السكن في المدينة المنورة
من وفقه الله لسُكْنى هذه المدينة المباركة، عليه أن يستشعر أنه ظفر بنعمة عظيمة، فيشكر الله عليها، ويعلم أن لسكنى هذه المدينة آدابًا كثيرة:
-
الاستقامة على أمر الله: والالتزام بطاعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والإكثار من العبادات، والحذر من الوقوع في البدع والمنكرات، فإن من يعص الله في الحرم ذنبه أعظم وأشد ممن يعصيه في غير الحرم.
-
أن يكون قدوة حسنة: لأنه يقيم في بلد شع منه النور والهداية، فيجد من يفد إلى هذه المدينة في ساكنيها القدوة الحسنة.
-
تذكّر أنها أرض الوحي: أن يتذكر المسلم وهو فيها أنه في أرض طيبة، هي مهبط الوحي، وملتقى الإيمان، ومقام الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته، فيحذر أن يتخلق بغير أخلاقهم، ويهتدي بغير هديهم.
-
الصبر على شدتها: الصبر على ما يحصل فيها من ضيق عيش أو بلاء، حتى يفوز بشفاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
-
عدم إيذاء أهلها: أن يحذر من إيذاء أهلها، فإن إيذاء المسلمين في كل مكان حرام، ولكنه في المدينة أشد وأعظم، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: (من أراد أهل هذه البلدة بسوء ـ يعني المدينة ـ أذابه الله كما يذوب الملح في الماء) (مسلم).
-
عدم الاغترار بالسكن: فإن مجرد السُكْنى إذا لم يكن معها عمل صالح واستقامة على طاعة الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، لا يفيده شيئًا، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (..ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) (مسلم).
لقد شرع الله لنا أن نحب ما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحبه، وأن نعظم ما كان يعظمه، ولما ثبت حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمدينة أصبحت محببة لجميع المسلمين، وما زالت وستظل قوافل الشوق والحب تشد رحالها إلى هذا البلد المبارك، الذي هو مأوى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومهد الدعوة، ومنارة الهدى.