خصوصيات النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحرب

0

 


النصر بالرعب: إحدى خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم

في الوقت الذي يظنّ فيه البعض أن أسباب النصر مقتصرة على من ملك القوّة والعتاد، في الأسلحة والرجال، وغيرها من الأسباب الحسّية، تأتي السنة لتكشف عن جانب آخر من أسباب النصر، ألا وهو النصر بالأمور المعنوية كالرعب والهيبة. وهي إحدى الخصوصيّات التي منحها الله لنبيّه – صلى الله عليه وسلم -، وأسهمت بشكلٍ فعّال في نشر الدعوة، والدفاع عن الملة، وقذف الرعب في قلوب الأعداء.

فقد روى الإمام البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أُعطيت خمساً لم يُعطهنّ أحد قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر...).

أثر النصر بالرعب على الصعيد الفردي

يظهر أثر هذه الهيبة بجلاء على الصعيدين الفردي والجماعي. أما الفردي فقد كان فيها عصمةٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الناس، ووقايةٌ له من مكائدهم، تحقيقاً لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة: 67).

  • موقف قريش: على الرغم من صولة قريشٍ وجبروتها، إلا أن ذلك لم يكن ليقف أمام شخصية النبي – صلى الله عليه وسلم – المهيبة. فقد اجتمعت قريش تسخر منه، فقال لهم: (تسمعون يا معشر قريش: أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح)، فبلغ بهم الرعب مبلغاً عظيماً، حتى أن أشدّهم جرأة عليه يحاول أن يسترضيه بقوله: "انصرف يا أبا القاسم راشداً؛ فوالله ما كنت جهولاً" رواه أحمد.

  • موقف عتبة بن ربيعة: لما سمع عتبة بن ربيعة النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقرأ قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (فصلت: 13) أصابه الرعب وقال: "حسبك حسبك".

  • حادثة الأعرابي في ذات الرقاع: في غزوة ذات الرقاع، جاء أعرابي يريد قتل النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو نائم، فأخذ السيف وقال: "من يمنعك مني؟"، فأجابه النبي بقوله: (الله)، فارتعد الرجل وسقط السيف من يده، والقصة في صحيح البخاري.

  • شهادة هرقل: وحين دار الحوار بين هرقل وأبي سفيان، قال هرقل: "ليبلغنّ ملكه ما تحت قدميّ"، فلما سمع ذلك أبو سفيان قال لأصحابه: "إنه ليخافه ملك بني الأصفر".

أثر النصر بالرعب على الصعيد الجماعي

أما على الصعيد الجماعي، فقد تجلت هذه الخصوصية في مواقف عدة:

  • غزوة بدر: انتصر النبي - صلى الله عليه وسلم – في غزوة بدر بعد أن قذف الله الرعب في قلوب أعدائه، كما قال الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} (الأنفال: 12).

  • غزوة أحد: لما انتهت غزوة أحد، وعزم المشركون على العودة لقتال المسلمين، ألقى الله في قلوبهم الرعب، ونزل في ذلك قوله تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} (آل عمران: 151) أخرجه ابن أبي حاتم.

  • بنو النضير وبنو قريظة: تحدّث القرآن الكريم عن الهزيمة الكبرى التي لحقت بيهود بني النضير وبني قريظة، بسبب ما أصابهم من الرعب، كما قال الله عنهم: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} (الحشر: 2)، وقال سبحانه عن بني قريظة: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} (الأحزاب: 26).

  • غزوة تبوك: تسامع أهل الروم ومن معهم من القبائل بقدوم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتفرّقوا وآثروا السلامة، مما دفعهم إلى مصالحة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودفع الجزية.

خصوصيات حربية أخرى

لم يكن هذا الأمر هو الوحيد من خصوصيّاته - صلى الله عليه وسلم - الحربيّة، فقد كانت له خصوصيّات أخرى تتعلق بهذا الجانب، منها:

  • إحلال الغنائم: فقد كانت الغنائم حرامًا على من سبقه من الأمم، وكانت تُجمع ثم تحرق، أما الأمة المحمدية فقد أباحها الله لها رحمةً بها وكرامةً لنبيّها - صلى الله عليه وسلم. قال عليه الصلاة والسلام: (...ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيّبها لنا) رواه مسلم.

  • إحلال مكة ساعة من نهار: أن الله تعالى أحلّ له مكة ساعةً من نهار، وذلك يوم الفتح، فأباح له القتال فيها، ولم يبح ذلك لأحد قبله ولا لأحدٍ بعده.

وبذلك يتّضح كيف كان لخصوصيّاته عليه الصلاة والسلام أثرٌ بالغٌ في تمكين المؤمنين ونصرتهم من جهة، وهيبة جانبهم من جهة أخرى.

إرسال تعليق

0 تعليقات
* يرجى عدم إرسال رسائل غير مرغوب فيها هنا.
إرسال تعليق (0)

#buttons=( أقبل ! ) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربتك. لمعرفة المزيد
Accept !