معركة الدونونية

0
معركة الدونونية: نصر الإيمان على العدد والعتاد

معركة الدونونية: نصر الإيمان على العدد والعتاد

تُعد معركة الدونونية واحدة من أعظم المعارك في تاريخ الأندلس، حيث كانت حاجزًا منيعًا أمام الأطماع النصرانية، وأخرت سقوط الأندلس لقرون. في هذه المعركة، استطاع جيش إسلامي صغير قوامه عشرة آلاف مقاتل أن ينتصر على جيش نصراني ضخم يفوقه عددًا، قوامه تسعون ألف مقاتل.

وقعت المعركة في عام 674 هـ (1276 م) بين جيوش المسلمين الموحدة من المرينيين والأندلسيين بقيادة يعقوب المنصور المريني ومحمد بن الأحمر الفقيه، في مواجهة قوات ملك قشتالة ألفونسو العاشر. وسميت المعركة بـ "الدونونية" نسبةً إلى قائد جيش النصارى وزعيمهم "الدون نونيو دي لارا".

أحداث معركة الدونونية

تولي ابن الأحمر الفقيه للحكم

بعد وفاة محمد بن الأحمر الأول، تولى ابنه محمد بن الأحمر الفقيه حكم غرناطة. أدرك ابن الأحمر الفقيه ضعف موقف المسلمين في الأندلس، خاصة بعد أن علم باستعداد ملك قشتالة للهجوم. لم يتردد في طلب النجدة من يعقوب المنصور المريني، الذي استجاب لنداء أخيه المسلم.

نجدة يعقوب المنصور المريني لأهل الأندلس

قام يعقوب المنصور المريني بتجهيز جيش قوامه خمسة آلاف مقاتل، ثم عبر بهم إلى الأندلس، حيث انضم إليهم جيش ابن الأحمر الفقيه المكون من خمسة آلاف مقاتل آخر. وبذلك، أصبح قوام جيش المسلمين عشرة آلاف مقاتل فقط.

انطلاق حرب الدونونية

عندما وصل يعقوب المنصور إلى مدينة إستجة، بلغه خبر اقتراب جيش النصارى الضخم بقيادة الدون نونيو، والذي كان يضم 90 ألف مقاتل. جمع يعقوب المنصور قادة جيشه للتشاور، متبعًا بذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الشورى. بعد أن استمع إلى آرائهم، أمر بالاستعداد للقتال وحثهم على الصبر والثبات.

قبل بداية المعركة، ترجل يعقوب المنصور عن جواده، وتوضأ وصلى ركعتين، ثم دعا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "اللهم انصر هذه العصابة وأيدها، وأعنها على جهاد عدوك وعدوها". كان لهذه الخطبة والكلمات الأثر العظيم في نفوس المجاهدين؛ فقد أشعلت حماسهم وشوقهم للشهادة، فتعانقوا مودعين، وارتفعت أصواتهم بالتكبير، وهم يرددون: "عباد الله إياكم والتقصير".

التقى الجيشان واشتد القتال. وعلى الرغم من أن قائد النصارى كان قد قسم جيشه إلى خمسة أجزاء ليبدو أكثر عددًا، إلا أن هذه الحيلة لم تنفع أمام شجاعة المسلمين وإيمانهم. بفضل الله، هزم جيش النصارى شر هزيمة، وقُتل قائدهم الدون نونيو وابنه، ليتحقق النصر للمسلمين.

نتائج المعركة

بعد هذا النصر العظيم، استعاد المسلمون قوتهم في الأندلس. قام الجيش بالانقسام، فاتجه نصفه بقيادة ابن الأحمر الفقيه لفتح مدينة جيان، بينما اتجه النصف الآخر بقيادة يعقوب المنصور المريني لتحرير إشبيلية. وقد عاد يعقوب المنصور بجيشه إلى المغرب بعد المعركة، دون أن يأخذ أي شيء من الغنائم، تاركًا إياها لأهل الأندلس، وهو دليل على أن هدفه كان نصرة إخوانه لا طلبًا للمال.

الأسباب المعنوية لانتصار المسلمين

كانت هناك عدة عوامل أساسية وراء هذا النصر المذهل، منها:

  • نصرة المسلم لأخيه المسلم: تجسدت هذه القيمة في موقف يعقوب المنصور المريني الذي سارع لنجدة أهل الأندلس بمجرد سماعه لندائهم، دون أي غاية شخصية.
  • الامتثال لأمر الله وسنة نبيه: اتبع يعقوب المنصور منهج الشورى قبل المعركة ودعا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، مما عزز ثقة الجنود بنصر الله.
  • الخطاب الحماسي: كانت كلمات القائد بمثابة الوقود الذي أشعل قلوب المقاتلين بالشوق إلى الجنة، ورفع من عزائمهم، وحولهم إلى قوة لا تُقهر.

إرسال تعليق

0 تعليقات
* يرجى عدم إرسال رسائل غير مرغوب فيها هنا.
إرسال تعليق (0)

#buttons=( أقبل ! ) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربتك. لمعرفة المزيد
Accept !