تُعدّ **سودة بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية** ثاني زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت سيدة كريمة النسب، فأمها هي **الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارية** من بني عدي بن النجار، وأخوها هو **مالك بن زمعة**.
كانت سيدة جليلة ونبيلة، تزوجت أولًا من **السكران بن عمرو**، أخي سهيل بن عمرو العامري، وهاجرت معه إلى الحبشة فرارًا بدينها. ورأت في المنام رؤيا غريبة أخبرت بها زوجها، فسرعان ما توفي بعدها.
--- ## زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلمبعد وفاة زوجها، جاءت **خولة بنت حكيم** إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته حزينًا لفقدان السيدة خديجة. عرضت عليه الزواج، فوافق. وعندما انتهت سودة من عدتها، أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبها، فأسندت أمرها إلى النبي. فزوجها **حاطب بن عمرو بن عبد شمس**، وكان ذلك في شهر رمضان من السنة العاشرة للبعثة، وقيل في شوال.
تزوجها النبي بعد السيدة خديجة، ولم يتزوج معها ما يقارب ثلاث سنوات حتى دخل بعائشة رضي الله عنها.
--- ## شمائلها الطيبة ودعابتهاتميزت السيدة سودة بصفات نبيلة وشخصية لطيفة ومرحة، مما كان يبعث السعادة والبهجة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم. ومن الأمثلة على ذلك، ما رواه **ابن سعد** في الطبقات أنها صلت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة في تهجده، فثقلت عليها الصلاة. فلما أصبحت قالت له مازحة: "صليت خلفك البارحة، فركعتَ بي حتى أمسكت بأنفي؛ مخافة أن يقطر الدم!" فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يضحك من دعابتها في أحيان كثيرة.
كما كانت محبوبة من قبل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فكانتا **حفصة** و**عائشة** تمازحانها، حتى إنهما أوهمتاها أن الدجال قد خرج، فأصابها الذعر وسارعت للاختباء. وعندما جاء النبي وضحكتا، سألهما عن السبب، فأخبرتاه. فذهب إليها وطمأنها، فخرجت وهي تنفض عنها بيض العنكبوت، في مشهد يدل على بساطتها وطيب قلبها.
--- ## سخاؤها ووهب يومها لعائشةكانت السيدة سودة رضي الله عنها معطاءة ومُحبة للصدقة. فعندما أرسل إليها **عمر بن الخطاب** رضي الله عنه وعاءً مملوءًا بالدراهم، قالت: "في غرارة مثل التمر؟!" ثم فرقتها كلها على المساكين. هذا الموقف يعكس مدى سخائها وعدم اهتمامها بالمال.
ومن أروع مواقفها، أنها وهبت يومها من النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة **عائشة** رضي الله عنها. ففي **صحيح البخاري**، جاء أن **سودة بنت زمعة** وهبت يومها وليلتها لعائشة ابتغاءً لرضا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن **عائشة** قالت: "ما رأيت امرأة أحب إليّ أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة"، أي تمنت لو أنها تمتلك نفس شخصيتها وسخائها. وذكرت عائشة أنها عندما كبرت، جعلت يومها من رسول الله لها.
وقد جاء في رواية عن **ابن عباس** رضي الله عنهما أن السيدة سودة خشيت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: "لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة". فأنزل الله الآية الكريمة: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير} (النساء: 128). فكان هذا الصلح دلالة على تضحيتها وإيثارها حبًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ورغبة في البقاء تحت كنفه.