أُمِّيَّة النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزة جوامع الكلم
أرسل الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى العالمين وأيَّده بالمعجزات، ومن أعظم هذه المعجزات أنه كان أمِّيًّا لا يقرأ ولا يكتب. هذه الأمية لم تكن نقصًا في حقه، بل كانت كمالًا ودليلًا ساطعًا على نبوته، كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (العنكبوت: 48).
لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ويكتب، لادّعى المبطلون أنه قد تعلم القرآن من كتب السابقين. لكن أميته هذه حجَّة بالغة عليهم، فقد جاء بالقرآن الكريم، وهو أفصح وأبلغ كلام، وتحدى به العرب، وهم أرباب الفصاحة، فعجزوا عن الإتيان بمثله. وهذا ما دفعهم للاعتراف بأن القرآن ليس من كلام البشر، بل قالوا عنه: {سِحْرٌ يُؤْثَرُ} (المدثر: 24).
أُمِّيَّة النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن
القرآن الكريم نفسه يؤكد أمية النبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواضع، منها:
- سورة الأعراف: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف: 158).
- سورة الجمعة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (الجمعة: 2).
هذه الآيات لا تدع مجالًا للشك في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ أو يكتب، وأن رسالته كانت وحيًا من الله لا من اجتهاده الشخصي.
جوامع الكلم: معجزة أخرى
رغم أميته، فقد فضَّله الله تعالى بأن أعطاه جوامع الكلم، وهي القدرة على التعبير عن المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة وموجزة. فقد كان صلى الله عليه وسلم أفصح العرب وأبلغهم، وكلامه يأسر القلوب. وهذا دليل آخر على أن ما يأتي به ليس من عند نفسه، بل هو وحي من الله. قال صلى الله عليه وسلم: (فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) رواه مسلم.
فأُمِّيَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدرته الفائقة على التعبير (جوامع الكلم)، هما معجزتان متكاملتان تثبتان صدقه ونبوته. فهل تأملت في عظمة هذه الدلائل؟