محبة النبي صلى الله عليه وسلم: حقيقة ومعنى
محبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد عاطفة، بل هي أصل من أصول الدين وعلامة من علامات الإيمان. لا يكتمل إيمان المسلم حتى يكون الرسول أحب إليه من نفسه ووالديه وأولاده والناس أجمعين. قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة: 24). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) رواه البخاري.
مفهوم المحبة الحقيقية
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد كلمات أو احتفالات مبتدعة، بل هي منهج حياة يُعاش. فالمحبة الصادقة تقتضي الطاعة والاتباع، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران: 31). إن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا هذا المعنى وعاشوه، فترجموا حبهم إلى أفعال وتضحيات، ولم يغالوا فيه برفع النبي فوق مكانته البشرية.
صور من محبة الصحابة للنبي
لقد قدم الصحابة أرواحهم وأموالهم حبًا وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم. ومن أروع صور هذا الحب:
- في غزوة أحد: عندما حوصر النبي، أحاط به الصحابة بأجسادهم ليحموه من سهام العدو. فكان أبو دجانة يحمي ظهره، وأبو طلحة يرفع صدره ليقيه السهام، ومالك بن سنان يمتص الدم من وجهه الشريف.
- في صلح الحديبية: شهد عروة بن مسعود، وهو لم يكن مسلمًا بعد، تعظيم الصحابة للنبي فقال: "والله ما رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا".
- قصة أبي بكر الصديق في الهجرة: عندما أذن الله لنبيه بالهجرة، بكى أبو بكر من الفرح لصحبة النبي. وفي الطريق، كان يمشي أمامه مرة وخلفه مرة أخرى حماية له، حتى قال للنبي: "لو كان شيء أحببت أن تقتل دوني؟"
- قصة ثوبان رضي الله عنه: عندما رآه النبي متغير الوجه، قال له ثوبان: "يا رسول الله، ما بي مرض ولا وجع، غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أني لا أراك". فنزلت الآية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}.
- شجاعة شباب الأنصار: في غزوة بدر، تسابق غلامان من الأنصار على قتل أبي جهل انتقامًا منه على سبه للنبي صلى الله عليه وسلم.
- امرأة بني دينار: في غزوة أحد، عندما فقدت زوجها وأباها وأخاها، لم تسأل إلا عن النبي، فلما رأته قالت: "كل مصيبة بعدك جلل" (صغيرة).
المحبة الحقيقية سبيل السعادة
إن المحبة الصادقة للنبي صلى الله عليه وسلم هي الحياة التي من حُرمها، فهو من الأموات. فبحسب اتباعنا للرسول، تكون عزتنا وهدايتنا وفلاحنا. قال ابن القيم: "فالله ـ سبحانه - علَّق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته".
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم هي أسمى غاية، فهل جعلتها دافعًا لك في حياتك لتطبيق سنته واتباع منهجه؟