(4) حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها

0

أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب: فضائلها ومكانتها

هي أم المؤمنين حفصة بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأمها زينب بنت مظعون رضي الله عنهم أجمعين.

وُلدت في مكة قبل البعثة بخمس سنوات، وهو العام الذي شارك فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- في بناء الكعبة. ولما بلغت سن الزواج، تقدم إليها خُنيس بن حُذافة السهمي فتزوجها. كانا من أوائل السابقين إلى الإسلام، حيث أشرقت نفوسهما بنور الإيمان.

ولما أذن الله للمؤمنين بالهجرة، لحقت حفصة وزوجها بركب المهاجرين إلى المدينة، واستقر بهما الحال هناك.


جهادها وزواجها بالنبي ﷺ

لم يلبث خنيس بن حُذافة إلا قليلاً حتى بدأت مرحلة المواجهة بين المؤمنين وأعدائهم، فكان من أوائل المدافعين عن الدين. شهد بدراً وأحداً، وأبلى فيهما بلاءً حسناً، ولكنه خرج منهما مثخناً بجراحات كثيرة، حتى فاضت روحه سنة ثلاث للهجرة.

شقّ ذلك على والدها عمر، واكتنفته مشاعر الشفقة والحزن، فأراد أن يواسي ابنته ويعوضها. فقام يبحث لها عن زوج صالح، فوقع اختياره على عثمان بن عفان -رضي الله عنه-. عرض عليه ابنته لفضله ومكانته، لكن عثمان اعتذر.

يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر. قال عثمان: سأنظر في أمري. فلبث عثمان ليالي، ثم اعتذر لعمر بأنه لا رغبة له في الزواج. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر. فسكت أبو بكر، ولم يُرجع إلى عمر بجواب. فكان غضبي من فعل أبي بكر أشدّ من غضبي لرد عثمان. فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فزوّجته إياها. فلقيني أبو بكر، فقال: لعله كان في نفسك شيءٌ عليّ حين لم أُرجع إليك جواباً في حفصة؟ قلت: نعم. قال: فإنه لم يمنعني من ذلك إلا أني قد علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولو تركها لقبلتها".


ذكاؤها وفطنتها في طلب العلم

وهكذا شرّفها الله لتكون زوجة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، تقتبس من أنواره وتنهل من علمه، بما حباها الله من ذكاء وفطنة وشغف للمعرفة. نلمس ذلك من أسئلتها التي كانت تلقيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، استفهاماً للحكمة واستيضاحاً للحقيقة.

فمن ذلك أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يأتي جيش من قبل المشرق يريدون رجلاً من أهل مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم، فرجع من كان إمامهم لينظر ما فعل القوم، فيصيبهم مثل ما أصابهم). فقالت: يا رسول الله، فكيف بمن كان منهم مستكرهاً؟ فقال لها: (يصيبهم كلهم ذلك، ثم يبعث الله كل امرئ على نيته).

وعنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحداً شهد بدراً والحديبية)، فقالت: (أليس الله عز وجل يقول: {وإن منكم إلا واردها})، فأجابها: ({ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّا} (مريم: 72)). يقول الإمام النووي معلّقاً: "فيه دليل للمناظرة والاعتراض، والجواب على وجه الاسترشاد، وهو مقصود حفصة، لا أنها أرادت رد مقالته -صلى الله عليه وسلم-".

ولما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساءه أن يحللن بعمرة، قالت له: "ما يمنعك يا رسول الله أن تهلّ معنا؟"، قال: (إني قد أهديت ولبدت، فلا أحل حتى أنحر هديي).


صلاحها ومناقبها العظيمة

خلال السنين التي عاشتها في كنف النبي -صلى الله عليه وسلم-، ذاقت من شمائله النبيلة وخصاله الكريمة ما دفعها إلى نقل هذه الصورة الدقيقة من أخلاقه وآدابه، سواء ما تعلق بهديه ومنطقه أو أحوال عبادته. فنجدها تقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم ثلاثة أيام من الشهر: الإثنين والخميس، والإثنين من الجمعة الأخرى". وتقول أيضاً: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده وقال: (رب قني عذابك يوم تبعث عبادك) ثلاث مرات".

وقد شهد لها جبريل بصلاحها وتقواها، وذلك حينما طلب من النّبي -صلى الله عليه وسلم- أن يراجعها بعد أن طلّقها تطليقة، وقال له: (إنها صوّامة، قوّامة، وهي زوجتك في الجنة). رواه الحاكم والطبراني، وحسنه الألباني.

أما أعظم مناقبها -رضي الله عنها-، فهو اختيارها لتحفظ نسخة المصحف الأولى، والتي جمعها أبوبكر -رضي الله عنه- من أيدي الناس بعد أن مات أكثر القراء. وظلت معها حتى خلافة عثمان -رضي الله عنه-.

عاشت -رضي الله عنها- تحيي ليلها بالعبادة وتلاوة القرآن والذكر، حتى أدركتها المنية سنة إحدى وأربعين بالمدينة عام الجماعة. فرضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين.

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.
إرسال تعليق (0)

#buttons=( أقبل ! ) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربتك. لمعرفة المزيد
Accept !